المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شعر التفعيلة



عـــلاء الرحال
06-03-2011, 12:24 PM
شعر التفعيلة





شكلٌ موصولٌبحركات التجديد المتلاحقة منذ العصر العباسي حتى ولادته في القرن العشرين , و هوحَمْلٌ طويل امتـــــد على ما يقارب الألف عام , و لا بد أن نتذكر في هذاالمجــــال


قول أبي العتاهية : ( أنا أكبرُ من العَروض( ,


كما لابــــــد لن ان نتذكر التجديدالفعلي في الشعر الذي كان يُنظم بقصد الغناء , فاتَّسمَ بالليونة في القوافي والسهولة في الإيقاع و اللفظ المألوف و التراكيب الرشيقة و الذي غلبت عليه الأوزانالقصيرة و الخفيفة , و تُمثِّل


الموشحات الأندلسية : الخروجَ الفعلي على نظام الشطرين , و قد واصل العرب في الوطن و المهجر منذمطلع القرن العشرين محاولاتهـــم الخروج على نظــــام الشطرين و القافيـــةالموحَّـــدة , فنظمــــوا الثنائيات و الرباعيات و المخمسات و أمثالها , و خاصة فيالقصة الشعرية , ثمّ كانت قصيدة )النهاية (


لـ نسيب عريضة عام 1917 الذي أثار حفيظة سكوت بني قومه المغتربين على ما أصابَ وطنهفي الحرب العالمية الأولى فقال




كفَّنوهُ




..




و ادفنوهُ




...




أَسكِنوهُ




...




هُوَّةَ اللحدِ العميقْ




...




و اذهبوا , لا تندبوهُ




فهو شعبٌ ميِّتٌ ليسَيُفيقْ


و كان بعض الشعراء يمزج وزناً بوزن و يتلاعب بأوتارالنغمــــات فيحركها كما تتـــحرك الإحساسات في داخلــــه , وهذا ما حـــدث في
قصيدة المواكب
لجبران خليلجبران التي نظمها في العام 1919 و قد أجراها في اتجاهين متعاكسين
,فالاتجاه الأول منالبحر البسيط كقوله فيها



الخيرُ في الناسِ مصنوعٌ إذا جُبِروا... و الشَّرُّ في الناسِ لايفنى و إِنْ قُبِروا




و أكثــرُ الناسِ آلاتٌ تحــرِّكهــــــا ... أصابــــعُ الدهــرِيومــــــاً ثمَّ تنكسرُ


أما الاتجاه الآخر فقد أجراه جبران على مجزوء الرمل كقوله قي ذاتالقصيدة



و سكونُ الليلِ بحرٌ ... مَوْجُهُ فيمَسمعِكْ




و بِصدْر الليلِ قلبٌ ... خافقٌ فيمَضجَعكْ


وكان لا بد ــ بعد ذلك من ولادةِ
شعر التفعيــلةولادةً طبيعيــــة , ولايختلف الأمر كثيراً إذا كانت هذه الولادة قد تمت في قصيدةالشراع
في العام 1932لخليل شيبوب , أو كانت في قصيدةهل كان حباً ؟
للسياب , أو كانت في
قصيدةالكوليرالنازك الملائكة قبيل منتصف القرن العشرين , فذاك لا يغير في الأمرِ شيئاً لأنالولادة كانت نتيجة طبيعية لجهود الشعراء المبذولة منذ مطلع القــــــــرن العشرينحتى منتصفه و للتقدم الفكري و الاجتماعي




خصائص شعرالتفعيلة



لشعر التفعيلة خصائص عدةإذا تعَهَّّدَهُ شاعرٌقدير


و أولها :أن نظامالتفعيلة يساعد في عدم الوقوع في الحشو الذي كان الشاعر لا يَسلم من الوقوع في نظامالشطرين , فكثيراً ما كـــــــــان المعنى أو الإحساس ينتهي قبل الوصول إلى القافيةفيضطـــر الشاعر إلى أن يُتِمَّ الوزن بكلمة من هنا أو من هناك , أو يضطرّ لأنيستبدل كلمة بأخرى أطولِ أو أقصر منها ليُتمَّ الوزن , لكن شعــــــر التفعيلة يمنحالشاعرَ حريةَ واسعة و مرونةً لا يمنحها شعــــــــر الشطرين

أما الخصيصةالثانية :أنَّ التنوع في القوافي يؤدي إلىالتحــــــــرر من سلطانها كما يؤدي إلى التنوع في الأنغام بين ارتفاع و انخفاض , وخاصة في قصيدة الموجات , فكلّ موجة تنبثق من سابقتها و تتصل بما يتلوها , و كأنّالموجــــة مشهدٌ قصير في عملٍ درامي , و هكذا حتى نبلغ نهايـــة القصيدة , وهذا مايسهل الخروجَعن الرتوب في موسيقا الشطرين , و يقرب النص الشعري من المقطوعةالموسيقية , بالتقطيع و حرية الحركة و التنويع و الاستمرار , و ربما أدى ذلك إلىالبناء المتصاعد الهرمي في كثير من القصائد الدرامية

و الخصيصة الثالثة :الابتعاد عن النمطية التي يسوق إليها احيانــــاً نظامُ الشطرين إذا كانــــتالقصائــد متشابهة في الموضوع و الوزن و حركة الروي , والقافية

و الخصيصة الرابعة :أنقصيدة التفعيلة وُجدَت للابتعاد عن التقرير و الخطابة و الاقتراب من الهمس الصافي والبوح الرقيــــــــق الذي اكتشفه الدكتور محمد منــــدور في الشعر المهجــري فقال: الشعر المهموس لا خطابة فيه
و لكن هذاكله لا يعني أن شعر التفعيلة يخلو من التقرير و الخطابة خُلواً تاماً و أن شعرالشطرين يخلو من الهمس و البوح , و من أمثلة ذلك قول الشاعر القروي في الحنين إلىأمه و إخوته



إلى إخْوةٍ كفراخِ القطا .... و أُمٍّ على أمرِهمْقائمةْ




إذا عبس الدهرُ في وجهها .... تَظلُّ لهمْ أبداًباسمةْ




فيا ربِّ رِفقا بتلكَ الفراخ ... و أبْقِ لهم أمَّهمْسالمةْ


و الخصيصة الخامسة : أن شعر التفعيلة يساعد في أنيكون الحوار رشيقاً في بنية القصيدة و يمنحها حركة النثر و مرونته , و من ذلك قولأمل دنقل في قصيدته
أوراق أبي نواس :



نائماً كنتُ جانبهُ , و سمعتُالحرس




يوقظون أبي






ـــ خارجيٌّ




ـــ أنا ...






ـــ مارِقٌ ...







مَنْ ؟ أنا !







صرخَ الطفلُ في صدرِ أمي



و الخصيصة السادسة :أنشعر التفعيلة يساعد في استخدام الصورة الشعرية استخداماً عضوياً , فإذا كــــانالشعر المعاصــر يستند إلى التعبير بالصورة تعبيراً غير مباشر , فإن هذا يتطلبمرونـــــة في الشكل , و لا سيما الشعر الذي يعتمد عناصر دراميـــــة و سردية ويستفيد في بنائه من فنّي القصة و الدراما , و يمكننا أن نقول مثل ذلك في تدفُّقالأسطورة و تلوُّنِها , و في استخدام الرمـــز الموحي الناتج عن الرؤية الجديدة والتطور في نظرة الإنسان إلى الكون و العالم , و تزخَرُ بعض القصائد بالرموز وتُشَّعُ سطورها بالإيحاءات الكثيفة كما في
قصيدة السياب

أنشودة المطر



و في العراقِ جوعْ




و ينثرُ الغلالَ فيهِ موسمُالحصاد




لتشبعَ الغربانُ والجرادْ




و تطحن الشَّوَّان والحجرْ




رحىً تدورُ في الحقولِ ... حولهابَشَرْ




مطر ...






مطر ...






مطر ...






و منذ أن كنا صغاراً كانتِالسماءْ




تَغِيْمُ في الشتاءْ




و يهطل المطرْ




و كلَّ عامٍ ــ حين يُعْشِبُ الثرى ــنجوعْ




ما مرَّ عامٌ , و العراقُ ليس فيهِجوعْ




مطر




...




مطر




...




مطر




...


واضحٌ أنالرموز في النـص شفافةٌ موحيـــــة , و أهمها الغربـــان و الجراد و يرمزانللمستغلين , كما أن المفارقات الدرامية بين الخيـــر العميم و الجوع الدائم توحيبشفافيةٍ بالمعاناة القاسية لوطنٍ كبير, و لكن الإيحاء المكثف الثري في مفتاحالقصيــــدة أو لازمتهــــــا التي تتكرربإيقاعٍ قاسٍ حادّ يحملُ في ألفاظه صرخةَالشاعــر وصلواته و استسقاءه مطراً جديداً يختلف عن المطر الذي كان يهطل في كل عاممنذ أن كان الشاعر صغيراً إلى زمن ولادة القصيدة , و قد كانــــــت السماء تجود بهعلى الأرض و مع ذلك كان الإنسانُ دائم الجـــوع , فهو ــ إذًاً ــ في مفارقة دراميةو معادلةٌ بين الخير و الجوع , و لكنها معادلةٌ فقدت في أحد طرفيها رقماً هاماً وسبباً مباشراً , حتى كـــــأنّ الشاعر يبحثُ في صرخته عن هذا السبب المخفي , ولــــــــذلك فإن الازمة تأتي قاسية عامة حادة بارزة كأنها رؤوسُ الحِــــــــــراب , و لذلك فإنّ في صلاتِهِ غضباً أكثر مما فيه من الرجاء و الاستعطاف , و كأنّ هذاالغضب هو الأمل النهائي للخــــــلاص مِمَّنْ أخفى طرف المعادلة , و كان سبباًللظلم .

الخصيصةالسابعة: أن شعر التفعيلة يساعد في تحقيق وحدة القصيدة والتمرد على وحدة البيت و السطر الشعري , و القافية التي كانت تشكل فاصلاً طبيعياًبين نهاية البيت و البيت الذي يليهِ , و هي تقف عائقاً دون تواصل الحركة و نموهانمواً عضوياً و بنائها بناءً درامياً مستمداً من تقنية القصة , فصار الإيقاع يتصاعدو يرتفع , و يتلوّن و يتنوّع , يتدفق ليشكل سمفونية درامية إلى أن يصل إلى القرارالأخير في نهاية القصيدة

سالم الهزاع
06-03-2011, 12:35 PM
بحث مميز بخصائص الشعر تفاصيل دقيقه

الشكر الجزيل لشخصك ابن عمي علاء الرحال

عـــلاء الرحال
06-06-2011, 02:06 PM
شكـراً أبـــــــــن العـــم علــــــــــى

مــروكـ الذي هو كــرقــه النــدى
وكــ عبيــر الزهــورلكــ منــيـ كلــ الحــبــ والتقديــر

المحامي سيف ال سدخان
06-06-2011, 06:55 PM
احسنت اخي العزيز علاء على هذه المعلومات .....

عـــلاء الرحال
06-07-2011, 05:31 PM
أحسن الله اليك


شيخنا العزيز أبو مخلد


اسعد الله قلبكـ وأمتعه بالخير دوماً


أسعدني كثيرا مرورك وتعطيركـ هذه ألصفحه