المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تأسيس مدينة الحلة في نصوص كتاب المنتظم لابن الجوزي ( 510 / 597 ه ) د.عامر عجاج حميد



المحامي سيف ال سدخان
07-21-2011, 07:50 PM
ولد ابن الجوزي حوالي سنة 510هـ/1117م وتوفي سنة 597هـ. وبدا بالتصنيف سنة 528هـ وله من العمر سبعة عشر سنة توفي والده وكان له من العمر ثلاث سنين وكفلته عمته عد زواج والدته، كان ابن الجوزي حنبليا بغداديا عمل اهله في تجارة النحاس ، وعرف بتنوع اهتماماته وكثرة مؤلفاته في الحديث والفقه وغيرها من الفنون، لكن مؤلفه الأهم في التاريخ هو كتاب المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، وهو كتاب اتبع فيه الطريقة الحولية في الكتابة، ويمتاز بكثرة من ترجم لهم به، حيث بلغ عددهم حوالي 4330 شخصا بين محدث وشاعر وسياسي وفقيه وشاعر وغيرهم.
يأتي سبب اختيار كتاب المنتظم في هذه الورقة كموضوع للبحث إلى معاصرة ابن الجوزي للأحداث التي مرت بالإمارة المزيدية وتفصيله في أحداثها وأمراؤها خاصة بعد مقتل الأمير صدقة بن منصور بن دبيس سنة 501هـ، كذلك وجهة نظره المذهبية المغايرة للامراء الذين اسسوا الحلة ورعيتهم ففصل في الخلافات التي حصلت بين الامراء المزيديين والخلفاء العباسيين والسلاطين السلاجقة وأسبابها ذاكرا روايات عديدة ورغم اتصاف رواياته بالنظرة السلبية تجاه المزيديين وامراؤهم بصورة عامة ونقد مذهبهم، إلا أنها أوضحت لنا صورا مهمة لم توضحها مصادر أخرى وصلتنا،خاصة صراعات دبيس بن صدقة مع السلطة السلجوقية والخلافة بعد مقتل والده.واصطدامه المباشرمعهم في معركة النيل التي وقعت في (مباركة مطيراباد)سنة 517هـ والتي هزم فيها الامير المزيدي ونجد أصداء ذلك في كتاب المنتظم واضحا , ولم يكن قد مر على تأسيس الحلة انذاك أكثر من 22 سنة.
ويمكننا أيضا أن نجد أوصافا مختلفة لدى ابن الجوزي لما كان يحصل من صراع بين الأمير صدقة بن منصور وسلطة بغداد المركزية. تدفعها في الغالب نظرته المذهبية , وكونه مؤرخ رسمي.
وفي تأكيده لبحث الأمير صدقة عن مكان لإقامته بعد اشتداد الخلاف بينه وبين سلطة بغداد. نجد ابن الجوزي يصف اولا اوضاع الأمير صدقة فيذكر انه تولى الإمارة بعد أبيه منصور بن دبيس زمن السلطان السلجوقي ملكشاه ويذكر انه كان يؤدي إليه المال (ويقصد بابه كل قليل)، ويذكر أن أمر صدقة قد استفحل بعد مقتل الوزير النظام, وهنا نجد دافعا مباشرا دفع الأمير إلى إظهار الخلاف , عندما لم يجد من هو جدير بالتعامل معه بعد مقتل الوزير النظام (نظام الملك)سنة 485هـ على يد الباطنية.
من هنا يمكننا الإمساك بتاريخ محدد, يحدده ابن الجوزي لإظهار صدقة الخلاف بصورة واضحة . وحينها كما يذكر علم ان (حلته لا تدفع عنه ) ، وهنا نجد استخدام الحلة كمعنى اصطلاحي لا كمكان معين, وهذا المصطلح نجده يتردد في العديد من المصادر كوصف لاصطلاح يشير إلى معسكر يتضمن الإثقال والنساء , ذو صفة عسكرية, ويمكننا أن نتلمس الطبيعة العسكرية الواضحة للأمراء المزيديين من عدد المعارك التي خاضوها ضد أعدائهم من القبائل الأخرى ، أو ضد السلطة في بغداد .
وعندما نأتي إلى الأمكنة التي ذكرها المؤرخون لمكان تواجد الأمير المزيدي فنجد مجموعة من الأمكنة غير محددة الموقع .حيث حتمت الطبيعة القتالية لهؤلاء الأمراء سرعة التنقل والانسحاب،ومنها ماذكر ك(حلة) قبل تاسيس الحلة المعروفة، حيث نجد حلة لدبيس جد الأمير صدقة في الفلوجة.
ومن الامكنة الاخرى التي نجد ان الامراء المزيديين جعلوها مقرا لهم مانجده من ان وفاة دبيس بن علي بن مزيد كانت في مطير آباد وتم دفنه فيها سنة 474هـ، ومطير اباد بلدة تقع على نهر النيل و تقترح مكان ابو حطب الحالية قرب ناحية المدحتية،و كانت ضمن مناطق نفوذ المزيديين الذي يمتد بين الفرات عند سورا ، حتى دجلة عند النعمانية وما يجاورهاعلى امتداد شط النيل ، قبل امتدادها زمن الأمير صدقة إلى البصرة وهيت وتكريت.
تذكر المصادر أمكنة أخرى قبل إنشاء الحلة سكنها الأمراء المزيديون فنزل الأمير صدقة في منزله بدار السيب سنة 494ه وانه كان مقيما ( بظاهر النيل ). في منزله ومنزل أبيه وجده إلى إشارة ياقوت الحموي في سكن صدقة وإباؤه في الدور من النيل. إن هذه الإشارات توضح لنا الامكنة التي كنا يقطنها الأمير صدقة وآبائه قبل سكنه الحلة , ومنها ما ذكره ابن الجوزي عن سكن الأمير صدقة وأبيه قبل تأسيسه الحله (في البيوت القربية) دون أن يحدد هذا المكان. ولا يستبعد أن تصحيفا ما فقلبت العربية إلى القريبة أي انه ربما كان يسكن قبلها في البيوت العربية أي الخيام ، وليست النيل بعيده عن الحلة ولا تبعد عنها سوى 40 كم تقريبا لكن الذي يمكن الانتباه له في إشارة ياقوت الحموي إلى أن سبب انتقال الأمير صدقه إلى الحلة هو: ( ليبعد عن الطالب ), فهل أن المسافة المذكورة تعد بعيده ويمكنها ان تخلصه او تجعله يبتعد بصورة كافية عن اعداءه؟ أم أن الاحتماء بالنهر كمانع طبيعي مع بناء السور والخندق كافيين لاحساسه بالطمأنينة من خصومه ؟. الم يعبر الأمير صدقه إلى الجهة التي تقطنها قبيلة خفاجة وهم غالبا ماكانوا خصوما له، أم انه كان قد أصبح من القوه المادية والعسكرية التي تجاوز فيها مرحلة الخوف من قوة قبليه ؟
وإذا رجعنا إلى روايات ابن الجوزي نجده يوضح أن الخلافات العميقة بين الأمير صدقه وسلطة بغداد دعته الى التفكير قبل تأسيسه مدينة الحله في الذهاب إلى البطيحة والبناء هنالك على تل فيها ( لم يوضح هنا ابن الجوزي طبيعة البناء هل كأن حصنا أم مدينه أو غيرها ) ويصور ذلك ماكان يدور في خلد صدقه ونيته الاعتصام بهذا المكان إذا قصده عدو معتمدا الإستراتيجية العسكرية المعتادة في البطائح ،والتي سبق تجربتها قاده آخرين منهم : عمران ابن شاهين في القرن الرابع الهجريمابين 334و 369هـ حيث اعيا البويهيون بسبب مايمتلكه من موقع حصين ولم تتمكن من هزيمته رغم ماتملكه من قوة ، وتعتمد على فتح البثوق والاعتصام بالمياه والمطاولة .ثم يوضح طبيعة تحالفات الأمير صدقه وكيف انه اخذ عهدا من :على ابن أبي الجبر امير البطيحة حينها على مساعدته وابتياعه من عربه مكانا لم يحدد موقعه بالضبط، لكنه ذكر انه يقع على بعد أيام من من الكوفة، ويزعم أن صدقه أنفق عليه أربعين إلف دينار، ووصفه بأنه منزل يتعذر السلوك إليه ثم يذكر بناء الامير صدقة( الحلة )، دون أن يذكر زمن محاولة بناءه الأولى في البطيحة.
يذكر ابن الجوزي الحلة وكيف أن صدقه (عمرها) ولم يذكر انه مصرها أو أسسها وهنا لا نجد مفردات التمصير أو التأسيس أو الاختطاط مذكورة عند ابن الجوزي لكنه يشير إلى انه جعل عليها سورا وخندقا وإنشأ البساتين التي لم يذكر إن كانت داخل أو خارج السور .
واذا ما عدنا الى انطباعات ابن الجوزي عن الامراء المزيديين نجده يتخذ موقفا سلبيا منهم،ومن خلال معاصرته للاحداث التي جرت ايام الامير دبيس بن صدقة والتي ارهقت الخلافة العباسية والسلطنة السلجوقية، فيعود متذكرا احوال هؤلاء الامراء منذ تأسيس الإمارة في أحداث سنة 516هـ فيذكر ان دبيس الاول جد الامير صدقة كان عائنا نظر مرة الى ابنه بدر فاستحسنه فمات بعدها،وذكر حلما لدبيس الاول في ابن ابنه صدقة وكيف انه رآه قد صعد الى السماء وبيده فاس يقلع بها النجوم ثم مالبث ان سقط،ويضيف وهذا ما حصل له من لمعان ومن ثم سقوط،،اما عن الحلة فيذكر عنها انها لم يكن يسمع بها اذان ولاتقام فيها الجمعات ويظهر فيها من سب الصحابة مالايقف عند حد ،وان اهلها يتظاهرون بالمحرمات لذا اخذت الفتاوى من الفقهاء الرسميين في ضرورة مهاجمته والتخلص منه.وهذا ماحصل عندما هوجم الامير صدقة في النعمانية وقتل سنة 501هـ.
يمكن الركون الى كتاب المنتظم كمصدر مهم من مصادر دراسة الامارة المزيدية وتاسيس مدينة الحلة الا انه من الضروري الانتباه الى الخلفيات المذهبية التي توجه وصفه للاحداث التاريخية وبالخصوص منها مايتعلق بالامارة المزيدية.

سالم الهزاع
07-21-2011, 08:35 PM
بحث متميز عن تاريخ مدينة العلم والعلماء مدينة الشعر والشعراء الحله الفيحاء

شكري وامتناني لشيخ سيف ابو مخلد على هذا الجهد المميز