المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العراق بين الماضي والحاضر - قبيلة البوسلطان



سالم الهزاع
03-30-2010, 03:54 PM
أن العراق في مطلع القرن العشرين لم يكن شعبا واحدا أو جماعة سياسية واحدة بل توجد فيه الأقليات الذين يشكلون مجتمعات متمايزة ومختلفة رغم تمتعهم بسمات مشتركة، فالعراق كان جزءا من الإمبراطورية العثمانية، ولم تكن فيه سلطة سياسية وطنية، أما شعبه فقد كان موحدا ،وهذا ما حدث عند اشتراك العراقيين بمختلف فئاتهم وطبقاتهم في مواجهة الاحتلال الإنجليزي للعراق (1904–1918). وحالة المقاومة التي وصلت ذروتها في ثورة العشرين وفي هذا الإطار يؤكد الدكتور علي الوردي، أن ثورة العشرين كانت تعبيرا عن الافعال والتضامن الشعبي وهو بالتأكيد تعبير عن تأريخ من مشاعر الانتماء ، كان العراقيون جميعا بمختلف فئاتهم وطبقاتهم يهتفون "يحيا الوطن"، وهذا يجسد انتماء مشتركا إلى مجتمع واحد .

تميز العراق بتعدد العشائر العراقية والذين يمثلون أطياف الشعب العراقي من عرب واكراد وتركمان وديانات متعددة فمنهم المسلمون بطائفتهما الشيعية والسنية والمسيحيون وغيرهم ، ومن ابرز العشائر هي البوعامر وهي من ضمن العشائر العراقية المعروفة ضمن التاريخ، وعلاقتها مع العشائر الأخرى سواء في الجنوب أو في الشمال أو الوسط انتشرت بمواقفها الطيبة مع العشائر الأخرى، ومع العراق وأبناء العراق، وما قدموا للعراق من خدمة وإصلاح وتضحية في كل المجالات، اما عشيرة شمًّر في الموصل محافظة نينوى، ممتدة جنوب المنطقة الغربية، وفي جنوب العراق وهذا ما نراه ان معظم سكان جنوب العراق هم من عشيرة شمَّر ، وكذلك عشيرة الخزاعل في الديوانية والتي يشهد لها التاريخ لمواقفها البطولية على مدى التاريخ وأخرهاعندما اعلنت ، براءتها من وزير الدفاع العراقي حازم شعلان المعين من قبل الاحتلال الامريكي منه بعد موقفه المساند للقوات الامريكية التي قصفت اهالي النجف ، وهذا الموقف يؤكد على رفض عشيرة الخزاعل الاحتلال والمقاومة ضده ، وكانت العشائر العراقية ممثلة باتحادات القبائل كاتحاد الخزاعل واتحاد المنتفك واتحاد بني لام، إضافة إلى عشائر ربيعة وتميم وزبيد وبني أسد وغيرها. قد لعبت ومنذ بداية القرن السابع عشر الميلادي تقريباً الدور الرئيسي والحيوي في تأريخ العراق الحديث، حيث أنها وبسبب غياب الدولة العراقية مثلت العراقيين المعروفين وعبر تاريخهم الطويل الذي يمتد لأكثر من ثلاثة آلاف سنة، بنزوعهم للحرية ورفضهم للاحتلال والتسلط الأجنبي والعبودية، والذي أضاف له الإسلام العقيدة الإيمانية الراسخة والواجب الشرعي في الجهاد وحب الشهادة.

ولكل عشيرة يديرها أكبر الرجال سناً وأحكمهم عقلاً يسمى " شيخ العشيرة" ولكل عشيرة عاداتها وتقاليدها وثقافاتها التي نشأت بها والتي استحدثتها من قوميتها وعقيدتها الدينية ، اضافة ان لكل عشيرة سياسة خاصة بها لتسير امورها في حل النزاعات والخلافات التي تحدث. وللعشائر العراقية كان لها في الماضي دور مشهود ومعروف في المجتمع، وكان يحسب لها حسابات كثيرة، وسيظل هذا الدور للعشائر قائم حتى الآن وفي المستقبل، لأن كثير من المشاكل الاجتماعية قد لا يحلها القانون، أو قد يحلها القانون ولكن تبقى عليها معلقات كثيرة كالدية والمنازعات الأخرى، كانت هذه تُحل عن طريق شيخ العشيرة، ولا تزال إلى حد الآن، يعني رغم التطور الحضاري والقانوني إلا أن التقاليد والأعراف العشائرية موجودة إلى الآن ، ولا يمكن إهمال دور كل قبيلة من قبائل العراق أو من عشائره في الحالة الاجتماعية أو في المستقبل السياسي للعراق.

المجتمعات في العادة تبتديئ من البداوة الراحلة في الصحارى واعالي الجبال ممتهنين الزراعة والري كمجتمعات بدائية وعلى نظرية الفيلسوف الاوربي "تيومبي" من ان الشعوب تلد في مناخ كما يلد الطفل من رحم أمه وكما يمر الانسان بدور الطفولة والشباب والكهولة والعجز ثم يضمحل ليذهب الى التراب كذلك الشعوب ، ويعطي هذا العالم أمثلة على قيام الامبراطورية الرومانية كيف نشأت وترعرعت وقويت وأصبحت مترامية الاطراف ثم وهنت وضعفت وذهبت الى بحر الماضي كما ذهبت الامبراطورية الساسانية والفارسية وأضمحلت بعد عظمة وترك تاريخها يحاكي الزمن ، هكذا ينطبق على العراق اذ ان الاحتلال العثماني أرجع عظمة العراق وحضارته الكلدانية والاشورية الى حالته الاولى الزراعية خاصة بعد موجة الطاعون الذي هلك بها الملايين ولما ذهب ظلم العثمانيون وتشكلت الحكومة العراقية على زمن المغفور له فيصل الاول بدأت تتشكل معالم حضارة مدنية برع الملك فيصل الاول في تأسيس المؤسسات القانونية الدستورية الوطنية فانشئ الجيش من اولاد شيوخ العشائر وشكل القضاء من عراقين درسوا في الخارج وأنشئوا كلية الحقوق ودار المعلمين وغيرها من المؤسسات التي تحتاجها الحضارة المتزامنة مع الوقت ، هذه الحالة واجهت تيار عشائري كان الناس يرجعون الى حل مشاكلهم عن طريق مشايخه ولا بد ان تكون هذه العشائر تملك انتمائاً طائفياً فتجد ان الفرات الاعلى تواجد على ضفافه عشائر أكثريتها شيعة ولكن لا يمنع هذا من تواجد عشائر سنية متلاحمة معها متمازجة ومتداخلة بشكل عضوي بالتزاوج والانتساب.

اضطرت السلطة الوطنية في عهد الانتداب وشرعت قانون العشائر وهذا القانون فيه الكثير من اثار الخيمة العربية العشائرية وتراثهم وحضارتهم وتوارث اعرافهم فيها بينهم فكان هناك قواعد قاعدة الفصل وقاعدة الدية وقاعدة المشاية لعقد الصلح وقاعدة تعويض والتي تصل بعضاً ان تعطي النساء كعملة للتعويض. نعم، نحن مجتمع إسلامي، وان رئيس عشيرة هو رأس الحكمة وهو مخافة الله بما يحكم إلا بالعدل والإنصاف، ويبتعد عن هواه وتعصبه وانحيازه ، وان هناك مقالة "رجل الدين وشيخ العشيرة يجب أن يكونون للجميع" إذا ما كانوا للجميع، ما تتصف بهم صفات علماء الدين ولا صفات رجال العشائر أو شيوخ العشائر ويكون قدوة، وهذا القدوة يجب أن يمحي عواطفه ويمحي تحيزاته وتكتلاته، يكون للجميع لتوحيد الشعب وبناء حضارة واستقرار الشعب ويدعم الوحدة الوطنية، ويدعم التواؤم والتآلف بين الشعب بشكل عام.

هذا لم يكن ينسجم مع الدعوة الملكية لتحضير المجتمع العراقي فأتخذت الخطوة الاولى التي تقول ان شيخ العشيرة لا تصل للفصل بين عشيرتين او بيتين وانما تكون مجلس تحكيم من أجل ذلك ولكن القرار بيد قائمقام او المتصرف وفق خط مرسوم من قبل المشرع العراقي ، واستمرت الحالة وكثر عدد المثقفين وبما فيهم ابناء العشائر وشيوخهم وذهبوا بسفرات متعددة خارج الوطن وتطور الناس خاصة في الحواضر والمدن وبالاخص بغداد مما ابعد الناس عن الاحتكام الى قانون العشائر ووجدوا ان اللجوء الى القضاء الذي أصبح قوياً بدل الذهاب الى النفوذ العشائري ان الحكومات المتعاقبة في العراق لم تألوا جهداً في محاولة تقليص هذا النفوذ العشائري الذي يشكل ثقلاً في الموازين السياسية وكم من ثورة عشائرية حصلت وكم من حركات تأديبية عسكرية قام بها نوري السعيد واعوانه حتى وان كانوا ممثلين بشكل واسع وهم يشكلون الاكثرية ولم تنجح الاقلية في الوصول الى المجلس في سياسة نوري السعيد الا في سنة 1936 يوم دخل المجلس جعفر ابو التمن وكامل الجادرجي وذيبان الغبان وعيسى طه وغيرهم من الوجوه الوطنية المعارضة ومع قلة عدد هذه الوجوه كان نوري السعيد لا يطيق مواجهة في المجلس فكانوا يغردون خارج سرب المدرسة السعيدية ، في سنة 1958 حصلت ثورة عبد الكريم قاسم في 14 تموز وحققت هذه الثورة مكاسب غيرت مسيرة مستقبله ، انها اخرجت العراق من النفوذ الاسترليني وحررت نقده من التبعية الموجودة.

انها انهت ميثاق حلف بغداد.

انها أصدرت قانون الاصلاح الزراعي الذي قلص نفوذ العشائر.

اذ ان نفوذ شيخ العشيرة من أرض وفي خصوبتها وانتاجها وكان بلاسم الياسين في الحي شيخاً متنفذاً سياسيا، والشيخ فاضل خلفه الحسن الصياد في الحمزه الغربي وكذلك الشيخ محمد العريبي في العمارة والشيخ محمد ربيعة في الكوت والشيخ عبد المحسن الجريان ذو نفوذ سياسي وكان عين في مجلس الاعيانوفي الناصرية الشيخ منشد الحبيب شيخ عشائر الغزي. وبعض الكاكاوات الاقطاعين في شمال العراق ، اقتنعوا بان هذا القرار قوض ثقلهم السياسي ، وجاءت فترة صدام حسين وهذا الرئيس السابق وان كان يدعي العلمانية ولكن كان يتعامل مع الحزب والسلطة بعقلية عشائرية واخذ يستبد على عشيرته وتكريت بالذات لدعم مواقفه وبطشه ، وكان غير مستقر في طروحاته يوماً ، يصر على المواطنين ان يذكروا اسمائهم الثلاثية واسم عشيرة انتمائهم، ان ابناء العشائر العراقية هم اكثر المتضررين من الظروف المأساوية التي عاشها الوطن بسبب الممارسات القمعية التي ينتهجها النظام السابق المتسلط ضد ابناء الشعب العراقي عموما وابناء العشائرخصوصا. فقد حارب النظام كافة القيم والعادات الحميدة المتوارثة وخصوصا عند العشائر والتي هي عصارة قيم منذ نشوء اول حضارة على ارض الرافدين جنبا الى جنب مع المفاهيم المتحضرة، لتنصهر معأ في بناء دولة عصرية.

دخل الامريكان العراق وضاع العراق وضاع أمنه وضاع قضائه فاضطر الناس للرجوع الى عشيرتهم وأصبح رؤساء العشائر هم ذوي النفوذ والقرار ..! ، الان امام هذه الحالة أعتقد ان نفوذ العشائر السياسي تنامى وزاد الاف المرات واصبح للعشائر ثقلاً سياسياً وأصبح للرؤساء منهم مجلس العشائر ، المهم هذا هو الواقع ويجب ان نتعايش ونتعامل معه ، ولحسن الحظ ان العشائر وخاصة العربية الانتماء ربطت مصيرها لتخليص العراق والابتعاد عن الطائفية والتقسيم سواء كان شيعياً او سنياً ، وكم اني اطرب لسماع بعض شيوخهم مثل الشيخ محمد الخزاعي وغيره مغردي لحناً وطنياً ويستنكرون النفوذ الفارسي نابذين الاحتلال الامريكي.

ان مثل هذا التعامل في تعاطي السياسة الوطنية له أثر في مجريات الامور في بغداد وان كان مقر اقامة بعض الشيوخ في لندن ولكن الفضائيات تعوض ذلك.

مرحى لكل من يحمل روح الوطنية وهاجساً مخلصاً يصب في مصلحة العراق .

مرحى للذين يساهمون في مسيرة العراق التحررية من شيوخ العشائر فهم العراقيون ولهم الحس الوطني والشعور بالمواطنة الصادقة.