المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عنتر بن شداد وبني زبيد



سالم الهزاع
11-29-2010, 09:05 PM
عنتر بن شداد وبني زبيد

لما غادر عنتر مضارب عمه وذهب الى مضاربه وايقظ شيبوبا اخيه وامره ان يعد له الأبجر ففعل، ثم خرجا من الحي دون ان يشعر بهما احد،فلما ابتعدا عن الخيام

قال شيبوب :هلا اخبرتني الى اين نحن ذاهبون ؟
فقال عنتر :اقصد بنا الى منازل بني زبيد ؟..
فقال شيبوب : وما تريد ان تفعل عند بني زبيد ؟
فقال عنتر أتعرف خالد بن محارب زوج الجيداء ابنة زاهر ؟
فقال شيبوب: لست اعرفه ولكني اسمع بإسمه ، فهو فارس عظيم ، والجيداء امرأته ذات بأس شديد ، وقد ضربت بفروسيتها الأمثال ...
فحدثه عنتر عندئذ بما كان بينه وبين عمه وماطلبته عبلة من ان تكون الجيداء احدى خدمها ليلة زفافها وقال :
لقد ضمنت لعبلة الجيداء ، ولعمي الأموال، فهيا بنا في سبيلنا الى منازل القوم...
فقال شيبوب : هذا مركب صعب جديد ، وجنون عظيم ، أتريد ان تسير الى القوم ، وهم من أشد العرب بأسا وقوة وجلادا ، الا قاتل الله عمك الذي دبر لك هذه المصيبة الجديدة .
فقال عنتر : سر بنا ولاتطل الكلام ، فقد عولت على بذل نفسي في سبيل تحقيق غايتي هذه ولن يردني أحد عن عزمي..

وسار الشقيقان يقطعان الأرض ويطويان اديم الصحراء ..وأشرف عنتر وشيبوب على منازل بني زبيد بعد ان قطعا الأيام في طريقهما اليها فلما لاحت لهما آثار النيران ، وأعمدة المضارب انفذ عنتر شقيقه يبحث له امر القوم ..فذهب هذا وعاد بعد عدة ساعات يقص على شقيقه مارأى وماسمع وقال :ليس في الحي الا مائة فارس مع الجيداء واما زوجها وابن عمها خالد ابن محارب فقد ذهب في بقية الفرسان لغزو بني عامر ، ومعه معد بن يكرب الزبيدي ، والجيداء من كثرة شوقها لابن عمها وتطلعها لاخباره ..تخرج في الليل في عشرين من الفرسان لارتقاب اخباره والوقوف عل انبائه....
فقال عنتر :اذا فقد اصبح الأمر سهلا ، وليس عليك حين تراني حملت على القوم الا ان تذهب الى اول الطريق فلا تترك احدا منهم يصل الى قومه... اتفقا على ذلك ، وانتظر اقبال الليل وخروج الجيداء كعادتها ، لاستطلاع اخبار خالد زوجها ..ولما اقبل الليل ركب عنتر جواده مترقب الجيداء وجماعتها ..وبعد ساعة اقبلت يحيط بها فرسانها ، فالتفت عنتر الى شيبوب وامره ان يذهب الى اول الطريق فلا يدع احدا من الفرسان يفلت او يصل الى الحي فيخبرهم بما كان ..فذهب شيبوب لشأنه

وهجم عنتر على الفرسان والجيداء على رأسهم فزعق فيهم فرددت الوديان زعقته ونفر الفرسان لملاقاته ‘ فما كان من عنتر الا ان هجم على الجيداء اولا فبادر جوادها فقتله فوقعت على الأرض فتركها وشأنها ثم مال على فرسانها ، يقتنصهم واحدا بعد الآخر فقتل اكثرهم ، وتولى شيبوب من بقي منهم وأما الجيداء لما أفاقت من غشيتها ركبت احد الخيول الشاردة وحاولت الهرب فالتقت بعنتر وشيبوب يتكلمان فعلمت من حديثهما انهما يتحدثان عنها فهجمت على عنتر وقد ظنت انه مثل غيره من الفرسان ..فاقبلت عليه تهدر وتزمجر فاستقبلها عنتر وقد سره انها لم تهرب ، وماهي الا دقائق حتى تمكن منها وقلبها على ظهر جوادها ورمى بها ارضا ثم شد وثاقها وكان شيبوب قد جمع الخيل الشاردة والسلاح
وقال لعنتر :لنهرب قبل ان يطلع النهار ..
فقال عنتر :أنذهب ولما نأخذ من خيرات القوم شيئا؟..ولكن صبرا حتى تخرج النوق والخرفان الى المراعي فنأخذ حاجتنا ونذهب الى سبيلنا.. (والله مفتري..)
ولما طلع النهار وخرج العبيد الى المراعي شاق عنتر ثلاثة آلاف من النوق والجمال بعبيدها ، فأرسلها شيبوب امامه ووقف عنترة يرد عنه من يتبع اثرهم من الفرسان والعبيد..
وكان قد ركض بعض العبيد الى الحي وأخبروا من فيه بما وقع لهم..فخرج الفرسان وهم يسألون عن الجيداء فقال لهم بعض العبيد : لقد أسرها فارس أسود مارأينا مثل صورته شدة ولا قوة..
فقال فارس من بني زبيد : ماهذا الحديث الذي تقولونه ، ومن الذي يستطيع مقاومة الجيداء والوقوف أمامها ؟
وأسرع الفرسان يبحثون عن عنتر فإذا به واقف على جواده ينتظر وصولهم فحملوا عليه من كل جانب وهم يصيحون به ويتوعدونه وعنتر لايحرك ساكنا ولا ينطق بكلمه ، فلما قاربوه متقطعين عشرة وعشرة وعشرين عشرين وكانوا لايزيدون عن سبعين فارسا هجم عنتر على اوائلهم فقتل من قتل ، فلما ابصروا فعاله أكبروه فولى من بقي منهم ..
وطلعت غبرة في هذه الأثناء فظن عبيد بني زبيد ان القوم قومهم فهجموا على شيبوب فهرب من وجههم ونادى شقيقه عنتر فأقبل يزمجر فأسرع سيفه رؤوس العبيد الثائربن تقطيعا فطارت عقولهم وطلبوا الأمان وساقو النوق كما امرهم ان يفعلوا وانتظر عنتر الغبرة ليرى من تحتها فلما انكشف ظهر من تحت الرايات فرسان بني عبس وفي مقدمتهم الملك زهير وأولاده وفرسانه ..
ذلك ان الملك لما علم بإختفاء عنتر ومغادرته الحي جزع جزعا عظيما ومازال يبحث في الأمر حتى علم من حديث عبلة لشداد بما كان من سفر عنتر الى ديار بني زبيد في طلب الجيداء والأموال.. فقرر الملك الذهاب بنفسه لمساعدة عنتر وابقى في الحي الف فارس ولما ركب الملك وفرسانه تقدم مالك (ابو عبلة ) يسأل السبب في خروجه
فقال له : اننا نذهب لحل العقدة التي عقدتها ..
فأنكر مالك ان يكون هو السبب فاستشاط شاس (ابن الملك)غيظا وأهوى عليه بالسوط
وقال له: لئن وقع على عنتر شر في هذه السفرة لاضربن على عنقك..
(لمعرفتهم بقوة بني زبيد)
وغادر وترك الحي بني زياد مع الف فارس
لحماية الأهل والحريم والأموال...
وماكاد الملك زهير يغادر حتى اجتمع الخصوم وكان اكثرهم حقدا مالك ابو عبلة الذي ضربه شاس بالسوط فقال للربيع بن زياد : مابقي لي في هذا الحي بقاء بعد ما هدم شاس شرفي وأساء معاملتي وأيده عمارة ونذب سوء حظه في قومه .
وما كاد يصل الملك زهير ورجاله حتى ترجل عنتر وتقدم نحوه وقبل يده واعتذر له عن مغادرة الحي بدون اذنه فطيب الملك خاطره وسلم عنتر على الأمراء ابناء الملك وقد فرحو بنصرة عنتر وماحصل عليه من الغنائم ونصبت الخيام ونزل القوم في اكل وطرب وشراب وحبور كان عنتر في الثلاثة ايام التي قضوها في ديار بني زبيد قد أغار على القبائل الواقعة حوله فاستولى على اموالها وساقها امامه فأصبحت شيئا مهولا..

وفي اليوم الرابع ركب الجميع خيولهم قاصدين ديارهم طلعت علهم غبرة عظيمة ملأت الأرض فعلموا ان تحتها فرسان من بني زبيد ..وانهم قد رجعوا من بني عامر بعد ان انتصرو عليهم وأفنوهم ..ولكن الواقع غير ذلك

لأن خالد بن محارب لما وصل ارض بني عامر ..وجد القوم قد علموا بوصوله ، فتحصنوا في جبالهم فلم يتمكن منهم خالد فاستشار احد شيوخ القبيلة ..فنصحه بغزو بني عبس لأنهم أحسن العرب مالا ..فذهب خالد يقصد بني عبس فوقع في طريقه على الربيع وجماعته الذين غادروا ديار بني عبس بعد ذهاب الملك زهير فهجم عليهم فقاوموه وحاربوه والربيع وجماعته على رأسهم ، فأثخن فيهم خالد وغلبهم وقتل منهم عددا واسر الباقين.
ولما نزل خالد لقضاء الليل مع رجاله بعد المعركة اعجب بجمال عبلة التي وقعت في الأسر ، وسبيت فيمن سبي من النساء العبسيات ..فسأل عن امرها فقال له احد العبسيين :هذه خطيبة عنتر ، الذي ذهب الى دياركم ليأخذ الجيداء اسرة لتخدم عبلة يوم زفافها ..واخبره ان الملك زهير ذهب لنجدة عنتر برجاله وليس احد يذكر من الرجال الآن..
فلما سمع خالد هذه الأخبار طار عقله ، وهجم عى عبلة فلطمها على وجهها وقال :
والله ماتركتك الا خادمة لزوجتي .
ثم التفت خالد الى معد يكرب وقال له :
سر انت الى ديار بني عبس ولا تدع احدا يفلت منهم ، وسأذهب أنا خلف الملك زهير ورجاله ..
وكان خالد في أثناء الطريق كلما تدكر طلب مالك من عنتر ان يأتيه بالجيداء تخدم ابنته ليلة زفافها ينزل عليه ضربا بالسياط حتى انهك قواه ،وسلخ جلده .

واما عروة ابن الورد فقد أقسم إن نجا في هذه السفرة ان لايتبع بني زياد في حياته بعد اليوم.....
ولم يزل القوم سائرين حتى التقوا ببني عبس وعنتر ، وسمع عنتر صيحات العبسيات في الأسر ، فأرسل شقيقه يتأكد من الخبر فعاد إليه يخبره ان خالدا لم يفز من بني عامر إذ تحصنوا في جبالهم ..وكيف انه ذهب يطلب بني عبس فوقع على الربيع وجماعته فقتل من قتل ، وأسر الباقين وكيف انه انفذ معد يكرب بجماعته الى ديار بني عبس لغزوهم ونهب اموالهم ..فتنهد عنتر من الغضب..وأخذ يتأهب للمعركة وفعل خالد مثله وكان قلقه عظيما على الجيداء لما علم انها اسيرة مقيدة.

وبدأت المعركة شديدة قاسية غاص فيها بنو عبس الى رؤوسهم حتى قتل من بني زبيد عددا عظيما وفعل خالدفي بني عبس مثله فجرح شاسا ومالكا وقتل من بني عبس عددا ولما اقترب المساء ، وافترق الجيشان تحدث الملك زهير الى عنتر بما كان من قسوة خالد بن محارب عليهم وكيف انه جرح شاسا ومالكا فصعب الأمر على عنتر وهدأ من روعه وقال له :ان غدا لناظره غريب ..وسوف اريك مايكون مصيره..

وغادر عنتر مضرب الملك وقد شق عليه كلام زهير وسأل عنتر شيبوبا عن عبلة وشأنها فقال له :لقد سمعت صوتها تناديك ، ولكن دون الوصول اليهااهوال.
.فدمعت عيناه وانفطر فؤاده ..
وطلع الصباح وافتقد بنو عبس عنتر فلم يجدوه..فدب الخوف قلوبهم وقرر الملك مبارزة خالدا رحمة منه بأولاده وفرسانه، وبينما هم في أمرهم هذا طلع علهم الغبار ثم انكشف عن معد يكرب وجماعته من بني زبيد الذين ذهبوا للإغارة على بني عبس بأمر خالد بن محارب فذهبوا وأثخنوا في القوم ، وأخذوا من طال عمره أسيرا وساقوا أمامهم خيرات بني عبس وأموالها وجاءوا الآن لمساعدة خالد والقضاء على البقية الباقية من العبسيين ..
ولما وصل معد يكرب استقبلته جماعته استقبالا عظيما وحدثوه بما كان من امر عنتر معهم وكيف ان خالدا قد اختفى ، وانهم يخشون عنتر فقال لهم معد يكرب :لاتخشوا شيئا ، فأنا اقوم مقام خالد وأقضي على عنتر وأدع ذكره نسيامنسيا..
وبدأ القتال مرة ثانية جاهما سطا فيه الزبيديون على بني عبس فجرحوا كثيرا منهم حتى يئس القوم وانسدت في وجوههم المسالك ، وكان الملك زهير يناديهم وهم لايسمعون ...
ومعد يكرب قد بطش فيهم واثخن ، وعندئذ بدت غبرة جديدة ، وظهرت من تحتها فرسان ينادون :يالعبس ؟ يالعدنان!..
وكان عنتر على رأسهم وشيبوب امامه يحمل رأسا على رمح في يده ، وهو ينادي ويقول :
ياويلكم يابني زبيد ..
هذا رأس سيدكم خالد بن محارب..فإلى اين تذهبون، ومن الهلاك تهربون...؟
وطلع بعد عنتر موكب من النساء العبسيات يزغردن ..وقد رمى شيبوب الرأس في وسط فرسان بني زبيد فانهلعت صدور القوم عند رؤيته..
فلما نظرت بنو زبيد الى ماحل بسيدها ، وشاهدت عنتر قد اقبل عليها ولت الأدبار...
وكان سبب غياب عنتر انه لما سمع شيبوبا يحدثه بما يقع لعبلة من الشدة والعناء في الأسر قال لأخيه :ويلك سر بي الى مكان السبايا خلف الجيش لعلنا نحتال على خلاصهم قبل طلوع الفجر ..وكان قد حصل لخالد مثل ماحصل لعنتر لما سمع بسبي زوجته الجيداء فقد فارقه النوم فغادره مع عبده يفكر في استخلاص الجيداء بعد ان ارسل عبده لتجسس اخبارها وأين تكون..فلما كان خالد في طريقه اليها في خيام بني عبس ..التقى بعنتر وشيبوب ..ولما شاهد عنتر الرجلين يقصدان الى خيام بني عبس فزعق فيهما من يكونان ؟
فالتفت العبد الى سيده خالد وقال له :
هذا عنتر قد ساقه الله إليك..
فتقدم عندئذ خالد نحو عنتر وانحط عليه ، يشتمه ويذمه ويصفه بأقبح الأوصاف والنعوت ولم ينطق عنتر بكلمة إذ كان همه القضاء على خالد بسرعة وإنقاذ السبايا قبل طلوع الفجر..وبدء المعركة ..

جالد عنتر خالدا بما عرف عنه من براعة ودربة في الحرب والكفاح وماهي الا ساعة حتى لاحت لعنتر فرصة من خصمه فعالجه بضربة من سيفه أطاح بها رأسه.فلما نظر عبد خالد الى هذه الضربة اقشعر جسمه وحاول الهرب فتصدى له شيبوب وعاجله بطعنة فسقط صريعا ..
وحمل شيبوب رأس خالد وعلقه على رمح الى خيام
بني زبيد...
فلما قاربهم عنتر هجم عليهم وهم لايشعرون ونزل بهم ضربا وطعنا ..اما شيبوب فقد فك قيود الأسرى واقبلوا لمساعدته وكذلك اجتمع عنتر الى عبلة ، واستولى على مافي معسكر الزبيديين من الخيول والسلاح وراح يقصد مكان المعركة فوجدها على اشدها ، فما هو الا ان خاضها حتى صلح امر بني عبس وارتد فشلهم الى نجاح..واحتوت بنو عبس على مالاعين رأت ولا أذن سمعت من الغنائم والأموال..

وتقدم عنتر الى الملك زهير يهنئهم بسلامتهم..ويحدثهم بما جرى له في ذلك الليل..وامر عنتر بإحضار الجيداء ...فطلبوها فلم يعثروا عليها ...وسأل عن عمه مالك وابنه عمرو وعبلة فلم يجدوهم ايضا فقلق عنتر وغضب الملك زهير ..واما الربيع فجلبوه الى قدام الملك وهو مثخن بالجراح..ووعد الملك عنتر بالبحث عن مالك بين قبائل العرب التي هرب إليها..
وعاد بنو عبس الى ديارهم ونزل عنتر الى مضاربه وقد زادت به همومه وأقلقه بعد عبلة ولما رأى شيبوب حزن اخيه وعده ان يذهب بنفسه ليفتش عن عبلة وعمه بين قبائل العرب