المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيوعيون والبعثيون.. هل هم أبناء رحم أيديولوجي واحد



سالم الهزاع
12-17-2010, 02:24 PM
الشيوعيون والبعثيون.. هل هم أبناء رحم أيديولوجي واحد
جعفر المظفر
كنت قد تحدثت سابقا عن بعض المعضلات التي جابهت الفكر الماركسي والتي كانت سببا أكيدا من أسباب انهيار تجربته السياسية في كثير من الدول الشرقية وفي المقدمة منها دول الإتحاد السوفيتي, لكن يجب الانتباه إلى أن ذلك لا يعني أن التجربة الرأسمالية تخلو من نواقص وأخطاء, أو أنها خالدة خلود الزمان كما شاء لها (فوكو ياما) أن تكون بعد أن بشر لها في كتابه (نهاية التاريخ), لكن بعضا من تميزها كان قد بدأ حينما لم تطرح نفسها كأيديولوجية إلغاء وحينما لم تُشَرِع على مستوى التطبيق نظرية الحزب القائد, وقبل كل ذلك حينما لم تشرع نظاما حتميا لنقلات تاريخية تراتبية, لا مفر منها, من شأنها أن تسلم الإنسان إلى قدرية لا تختلف في قدسيتها عن أفكار أشد المتدينين حماسة لنظام المقدسات. بل انها تركت نهاية التاريخ مفتوحة بالاتجاه الذي يملك مفاتيحها ألأقوى عقلا وقدرة.
لا مناص هنا من القول إن المقارنة هي خاصة بمحيط التجربة ذاتها وليس بتداعياتها خارجه, وان فشل النظام (الماركسي) في الشرق ليس معناه بالضرورة نصرا حقيقا للنظام ( الرأسمالي) في الغرب إلا بالمعنى السياسي, فنحن هنا نتحدث تماما عن شيئين مختلفين, مع ضرورة التأكيد على أن النصر الذي حققته الرأسمالية على العقيدة الماركسية وعلى النظام الشرقي لم يكن بالضرورة لأن الأولى هي النظام الأمثل وإنما لأن الثانية هي نظام بسيئات, وبصيغة أدق: إن الأخيرة قد تراجعت لضعف فيها قبل أن تتهاوى نتيجة لقوة نقيضها الرأسمالي.
وما الذي كان أدى إلى ذلك..؟, ليس هناك عامل واحد لتفسير انهيار إمبراطورية بهذه السرعة القياسية. ومع الإقرار بوجود عوامل متعددة كانت سببت الانهيار إلا أن المتفق عليه لم يكن تعدى الاثنين, أولهما وجود الفكر الأيديولوجي ووليده الشرعي, نظام الحزب الواحد, وما أنتجه هذا الفكر على مستوى تغييب القدرة على استلهام حركة الواقع كمصدر أساسي للتنظير مقابل التأكيد على تبعية الواقع لنظرية تاريخيه تقيد حركته باتجاهها. وليس متوقعا أبدا أن تتفارق آليات الحزب ونظريته التنظيمية عن فكره الأيديولوجي, فحينما يسلب هذا الأخير حق الواقع في أن يكون له دور في رسم تاريخه المستقبلي, ويفقد الاهتمام برصد
المتغيرات اليومية بما يوجب التطوير والتعديل وحتى التغيير على المسارات النظرية الأساسية فإن الحزب الأيديولوجي يسلب الإنسان حقه في أن يكون له دور رئيسي ومستمر في رسم اتجاهات المستقبل, ونرى هنا كيف يكون المستقبل رقيبا متزمتا على الحاضر, لإبل وسجانا له, وكيف أن الحزب الأيديولوجي يكون رقيبا متزمتا على الإنسان, لا بل وسجانا له أيضا. وبالنتيجة سوف يتحول فكر كهذا وحزب كهذا إلى فكر وحزب الغائي لدور الواقع والإنسان, فيفقد المجتمع بالتالي دوره وحريته, وكذلك الإنسان, لصالح مفاهيم الحزب والطليعة. وحينما يكون لإنسان الدولة الأيديولوجية من يفكر عنه بالنيابة فلسوف يتحول بكل تأكيد إلى مجرد مادة أولية تصنع منها الطليعة ما تشاء من نتاج وعلى ما تريده من شكل وهيئة.

ولا أعتقد أن هناك ثمة فرق بين الماركسية والنظرية البعثية من حيث الإيمان بأدلجة العقيدة, كما لا أعتقد بوجود هذا الفرق أيضا على مستوى النظرية التنظيمية, أي المركزية الديمقراطية, التي نقلها البعث حرفيا عن النظرية اللينينية الماركسية, والتي أنتجت مخلوقين متشابهين على مستوى الفكر والأداء هما الأخوين ستالين وصدام حسين اللذان كانا تشاركا رحما واحدا هو رحم أدلجة العقيدة الذي تتشارك فيه أيضا أغلب أحزاب الدين السياسي, ولذلك فليس من المتوقع أن نشهد اختلافات ملحوظة في النتائج, سواء على مستوى علاقة التاريخ بالحاضرأوعلاقة الحزب والدولة مع المواطنين.
إن البعثيين الذين طرحوا أنفسهم كنقيض للحركة الشيوعية سرعان ما وقعوا في نفس المأزق الماركسي الذي شكلت المركزية الديمقراطية أرضه ومدرجاته في حين شكلت ألأيديولوجية سقفه وأسواره.
ولكن على خلاف ما كان يؤمن به الشيوعيون من تراتبيه المراحل وإمكانات تطور مرحلة سابقه إلى مرحلة لاحقة نقيضة, فإن البعثيين لم يمنحوا فكرهم أية بداية مرنة ومعقولة للتعامل مع الواقع إلا من خلال اعتباره وليدا لمعادلة استعمارية من العار الإيمان بها أو تأسيس أية نظرية سياسية للتعاطي معها. بذلك وضع البعثيون التأريخ أو المستقبل نقيضا كليا للحاضر, ولم يقفوا وقفة معقولة لمعرفة ما إذا كانت هناك إمكانية لتطور هذا الحاضر أو تطويره وذلك لإنتاج مستقبل نقيض كذلك الذي تؤمن به الماركسية على أساس تراتبية المراحل وجدلية النقائض التي تستخرج الاشتراكية من رحم البرجوازية.
وقد يقال إن الخلل البعثي في هذا الاتجاه كان تأكد للعيان من خلال افتقاد البعثيين لنظرية اجتماعية واقتصادية كفيلة بدعم أيديولوجيتهم الفكرية وجعلها أكثر قدرة للاقتران مع حركة
الواقع, وهذا صحيح إلى أبعد حد, ولكن الأصح أيضا إن محاولة البعثيين لردم هذه الهوة بدت وكأنها قد زادت الأمر سوءا, ففي بحثهم عن ذلك الإطار المساند, وجد البعثيون أنفسهم في وارد تقليد الشيوعيين مرة أخرى, وذلك من خلال تبنيهم لمفهوم الطبقات الكادحة, أي العمال والفلاحين كقوى أساسية لتحقيق الوحدة.