المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النمل يعطينا درساً نحن البشر



المحامي سيف ال سدخان
01-23-2011, 10:24 AM
اخترت أن أبدأ بهذا الموضوع لأسباب عديدة من بينها أني أريد أن ألفت الانتباه هنا إلي أن هذا العالم الذي نعيش فيه اليوم والذي يمتاز بظهور دول تمتلك قوة عظيمة هو نفسه العالم الذي شهد منذ آلاف السنين ملكا عظيما لم ولن تعرف له البشرية مثيلا حيث انقادت فيه عوالم أربعة لسلطان ملك واحد هو سليمان عليه السلام وهذه العوالم الأربعة هي " عالم الطبيعة " و "عالم الجن " و"عالم الحيوان" و " عالم الإنسان ".
ونحن اليوم إذ نفتخر بأننا نعيش في عصر ثورة الاتصال حيث أصبحت صورة الحدث تأتينا في بيوتنا من مكان الحدث نفسه ساخنة ومباشرة خلال ثواني معدودة حتى ولو بعد عنا آلاف الكيلومترات .
فعلينا أن لا ننسي أن هناك من كان يأتيه الحدث لا صورته في مدة تطول لو حسبت بالثواني " فعرش بلقيس " لا صورته جيء به إلي سليمان عليه السلام في أقل من طرفة عين .
لذلك وبعد هذه المقارنة العاجلة فإنه يحق لي القول بأنه إذا كان من الحكمة أن نتعلم ونستفيد من تجارب بعض هذه الدول القوية التي تقود عالم اليوم فإنه من الحكمة أيضا – بل هو الحكمة بعينها – أن نتعلم ونستفيد من تلك " المملكة العظيمة " ما يعيننا علي بناء دولة إسلامية قوية ومعاصرة وذلك من خلال العودة إلي هذه السورة الكريمة التي قدمت لنا تلك المملكة العظيمة .
ومن الأهمية بمكان أن أقول – وهو ما سأشير له من خلال لقطات خاطفة – بأن كل النماذج المعاصرة والتي استطاعت أن تبني قوة عظيمة سواء كانت اقتصادية أو عسكرية أو علمية إنما تمكنت من ذلك من خلال الاستفادة – حتى ولو تم ذلك بغير وعي – من أربعة أسس لبناء دولة قوية قدمتها هذه السورة الكريمة سأعرضها بعجالة في هذه الورقة من خلال أربع وقفات :
الوقفة الأولي :- العلم أولا :- إن من يتدبر هذه السورة الكريمة سيجدها كغيرها من سور هذا الكتاب العظيم قدمت دعوة صريحة وقوية للتعلم لأنه لا يمكن الحديث عن أعظم ملك في البشرية دون التحدث عن العلم وتاريخ البشرية يشهد بأنه لم يستطع شعب جاهل أن يؤسس دولة قوية .
لذلك نجد أنه في كل هذه السورة الكريمة لم ترد كلمة الجهل – وبكل مشتقاتها-إلا مرة واحدة جاءت ليصف بها الحق تعالي قوم لوط الذين عرفوا بأخس الأعمال وأنكرها .
في حين أن كلمة العلم بمشتقاتها تكررت في هذه السورة ثلاث عشرة مرة .

والحكيم العليم عندما أراد أن يذكر ما أنعم به علي آل داود – وهو الذي أنعم عليهم بنعم كثيرة وعظيمة – لم يذكر إلا نعمة العلم : ﴿ولقد ءاتينا داود وسليمان علما ﴾ فالعلم هو الذي يجعل المستحيل ممكنا فسليمان عليه السلام عندما طلب أن يؤتي إليه بعرش بلقيس قدمت له عروض كان أقواها وأسرعها من حيث التنفيذ هو العرض الذي قدمه من وصف بالعلم في الآية الأربعين من هذه السورة الكريمة : ﴿قال الذي عنده علم من الكتاب أنا ءاتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ﴾.

الوقفة الثانية :- لابد من مشاركة الجميع :- في هذه المملكة العظيمة والسورة الكريمة ذكر الله تعالي مخلوقين صغيرين ضعيفين أحدهما كان سببا في نجاة أمة من الناس من هلاك أخروي مبين وثانيهما كان سببا في إنقاذ أمة من الحشرات من هلاك دنيوي محقق .
"سبق صحفي" جاء به هدهد: ﴿ أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين﴾ و"صفارة إنذار" أطلقتها نملة : ﴿قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ﴾ مع أنه كان من الأولي وفق المنطق البشري السليم أن يأتي بهذا " السبق الصحفي " أو أن يطلق "صفارة الإنذار " تلك أحد المخلوقات الأخرى القوية والكثيرة في هذه المملكة العظيمة كالجان والريح مثلا .



فأغلب حكومات العالم الإسلامي لم تزل عاجزة عن إشراك ودمج نسب هامة من شعوبها في معركة التنمية فلا يمكن الحديث عن تنمية في بلد لم يزل نصفه أو ثلثه أو ربعه عالة عليه .


الوقفة الثالثة :- العمل ثم العمل ثم العمل :- لم يكن "المؤسس الأول" لهذه المملكة العظيمة يأكل إلا من طعام يده ¹ .
فأي دعوة للعمل أبلغ وأشد صراحة من هذه الدعوة التي تركها لنا داود عليه السلام ذلك النبي الذي خصه الله تعالي بأن جعل الحديد بين يديه لينا كعجينة الطحين وهي معجزة مكنت هذا النبي من تأسيس ما يمكن أن يطلق عليه بلغة العصر أول مصنع للصناعات الحربية .


أما نحن في العالم الإسلامي فأغلب حكوماتنا سلبية وأغلب مواطنينا سلبي ولا توجد في بلداننا صناعة لذلك فلا يمكن أن نتحدث عن نهضة جادة .

لقد ترك لنا داود عليه السلام دروسا كثيرة سأكتفي هنا بذكر درسين منها في هذه الورقة أحدهما لفقراء الأمة وثانيهما لأغنيائها ولابد من العمل بهذين الدرسين لتحقيق تنمية في بلدان هذه الأمة .
لفقراء الأمة – وما أكثرهم – أقول لا تهجروا العمل ولا تتكبروا عليه فقد كان داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده .
ولأغنياء الأمة أقول لا تنغمسوا في حياة الترف والبذخ وجياع أمتكم كثر وأعلموا أن داود عليه السلام –وهو من أنعم الله عليه بنعم كثيرة – كان يصوم يوما ويفطر يوما ²
الوقفة الرابعة :- في عالمنا اليوم والذي كثرت فيه الأزمات والحروب والكوارث تقدم لنا هذه السورة الكريمة نموذجين في غاية الروعة للتعامل مع الأزمات .
وما قدمته هذه السورة في هذا المجال هو ما يحاول أهل الاختصاص في عالمنا اليوم أن يتحدثوا عنه .
النموذج الأول جاء من "مملكة سبأ" والتي استدعت ملكتها أهل الرأي للمشاركة في جلسة " تشاورية " أو " تفكيرية " لدراسة أفضل السبل للتعامل مع ذلك التهديد الخطير الذي ظهر فجأة من خلال رسالة شديدة اللهجة جاء بها هدهد .
الملكة شاورت وحاورت وقدمت سيناريو لما يمكن أن يحدث :﴿قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة ﴾ هذا الأسلوب المتميز مكن هذه الملكة من أن تدير هذه الأزمة الخطيرة بطريقة مثلي جنبت شعبها خسارة دنيوية وأخروية فادحة.
أما النموذج الثاني فقد جاء من " واد النمل " وهو نموذج يختلف تماما عن النموذج الأول .
ففي " واد النمل" كانت الكارثة قد أصبحت وشيكة جدا وكان الموقف حرجا جدا ولم يكن هناك متسع من الوقت للتشاور والتحاور.
فلو أن النملة التي شعرت بقرب الخطر أخذت تتشاور وتتحاور مع بقية النمل لهلكت وأهلكت معها النمل لذلك كان من الحكمة هنا أن تصدر قرارا عاجلا دون أن تتشاور مع البقية : ﴿يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ﴾.
والحقيقة أن كل الأزمات والكوارث إما أن يكون خطرها لم يزل بعيدا نسبيا لدرجة تسمح بالتشاور والتحاور فهنا تكون " الأيام التشاورية والتحاورية " هي أفضل السبل لاتخاذ القرار المناسب كما فعلت الملكة " بلقيس " .
وإما أن يكون الخطر قد أصبح وشيكا فهنا يجب إطلاق صفارات الإنذار واتخاذ القرار العاجل كما فعلت النملة .
ولأننا في العالم الاسلامي – وهذه واحدة من مصائبنا الكثيرة – لا نشعر بالأزمة أو الكارثة إلا بعد أن يكون خطرها قد أصبح وشيكا مما يعطي لأصحاب القرار المبرر لاتخاذ قرارات عاجلة دون تشاور أو تحاور كما فعلت النملة.
لأن هذا هو حالنا فقد كان لابد لي أن أتوقف قليلا مع هذه الوقفة لأقول :
لقد اتخذت النملة هذا القرار العاجل لأنها كانت تعلم أن هناك نظام وقاية وحماية أعد سلفا وهو نظام متكامل وفعال ضد أي خطر خارجي والنملة عندما طلبت من النمل أن يدخل في مساكنه كانت تعلم أن هناك مساكن كافية وقادرة لأن تكون ملاجئ واقية ضد هذا الخطر المفاجئ .
أما نحن وفي أغلب بلدان عالمنا الإسلامي فليست لنا بنية تحتية يمكن اللجوء إليها في ساعة الخطر.
كما أنه ليست لنا أنظمة وقاية أو حماية ضد التهديدات الخارجية ولقد أثبت تعاملنا مع الكوارث والأزمات هذه الحقيقة.

فيندر أن نجد في كل عالمنا الإسلامي حكومة واحدة استمرت في تنفيذ خطة حتى حققت النتائج المرجوة منها .
فكم من إستراتيجية للقضاء علي الأمية تبدلت في مراحلها الأولي إلي إستراتيجية لمحاربة الفقر لتبدل هذه قبل أن تكتمل بخطة للأمن الغذائي لتتحول هذه الأخيرة إلي إستراتيجية جديدة للقضاء علي الأمية لتبدأ رحلة جديدة مع حزمة جديدة من الخطط المرتجلة التي تزيد من عددا لأميين ومن عدد الفقراء ومن عدد الجياع في هذه الأمة التي لم تعد قادرة علي تحمل انتكاسات جديدة.



ولقد استطاعت أمة أخري عددها قليل - وهي ليست قطعا علي حق -أن تفرض علي العالم بأن هناك أشياء في تاريخها لا يجوز لأحد أن يتجرأ علي التحدث عنها.
هذه الأمة الأخيرة استطاعت أن تفرض نفسها لأنها كالنمل تعمل بلحمة جماعية قوية وبروح مثابرة وصابرة وبقدرة هائلة علي الإصرار وتحقيق الأهداف.
علينا نحن المسلمين – إذا كنا نريد دولة قوية - أن نتعلم من النمل والذي خصه الله بالذكر في هذه السورة الكريمة من كل سور القرآن العظيم وهي السورة التي سميت بالنمل والتي تحدثت عن أعظم وأقوي دولة عرفتها البشرية .
أو علينا أن نتعلم ممن تعلم من النمل واستطاع بذلك أن يشكل نظام وقاية أو حماية له ولمقدساته في عالم أصبح من أهم خصائصه أنه لا يقدس ولا يحترم أي شيء .
وأنا لا أحب أن أختم هذه الورقة دون أن أعود إلي مقارنة عجيبة وغريبة تركها لنا سليمان عليه السلام وهو الأولي بأن يقيم هذه المقارنة .
لقد قارن هذا النبي بين أعظم ملك دنيوي وأبسط عمل أخروي لتسبيحة واحدة في صحيفة المسلم خير مما أوتي آل داود.
ولقد صدق سليمان عليه السلام فقد زال ملكه العظيم وبقت تسبيحاته في صحيفته

زين محمد رشيد الجنابي
01-23-2011, 11:55 AM
اشكرك خالي المحامي سيف ال سدخان موضوع مميز

سالم الهزاع
01-23-2011, 12:38 PM
متميز باختيارك وطرحك يا ابو مخلد

مشكور

الشيخ ابوسند حيدر الفاضل
01-23-2011, 06:50 PM
مشكور ابو مخلد

أستمتع في قراءة ماتكتبه

جزيل الشكر