المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقبرة وادي السلام في النجف الاشرف



مظلوم الرسن
04-09-2010, 09:47 PM
إنها اكبر غابة للأموات في العالم هكذا وصفها شاعر العرب الأكبر محمد مهدي الجواهري، انه وادي السلام مقبرة النجف ثاني اكبر مقبرة

في العالم بعد مقبرة الصين ومحط أفئدة المؤمنين أحياء وأمواتا. أجيال عديدة سكنت وادي السلام، رغبة ورهبة، فضلا عن رقود العديد من الأولياء والصالحين وما مثوى النبيين هود وصالح عليهما السلام إلا دليل على عمق تاريخها. وقد وردت روايات عديدة في فضل الدفن بهذه البقعة المباركة التي تحتضن مرقد أمير المؤمنين عليه السلام، حتى ورد أنها منجية من عذاب القبر. فقد رُوِيَ عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السَّلام) إِلَى الظَّهْرِ فَوَقَفَ بِوَادِي السَّلَامِ كَأَنَّهُ مُخَاطِبٌ لِأَقْوَامٍ، فَقُمْتُ بِقِيَامِهِ حَتَّى أَعْيَيْتُ، ثُمَّ جَلَسْتُ حَتَّى مَلِلْتُ، ثُمَّ قُمْتُ حَتَّى نَالَنِي مِثْلُ مَا نَالَنِي أَوَّلًا، ثُمَّ جَلَسْتُ حَتَّى مَلِلْتُ، ثُمَّ قُمْتُ وَ جَمَعْتُ رِدَائِي. فَقُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنِّي قَدْ أَشْفَقْتُ عَلَيْكَ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ، فَرَاحَةَ سَاعَةٍ، ثُمَّ طَرَحْتُ الرِّدَاءَ لِيَجْلِسَ عَلَيْهِ . فَقَالَ لِي : " يَا حَبَّةُ إِنْ هُوَ إِلَّا مُحَادَثَةُ مُؤْمِنٍ أَوْ مُؤَانَسَتُهُ ". قَالَ قُلْتُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ إِنَّهُمْ لَكَذَلِكَ ؟ قَالَ : " نَعَمْ، وَ لَوْ كُشِفَ لَكَ لَرَأَيْتَهُمْ حَلَقاً حَلَقاً مُحْتَبِينَ يَتَحَادَثُونَ ". فَقُلْتُ : أَجْسَامٌ أَمْ أَرْوَاحٌ ؟ فَقَالَ : أَرْوَاحٌ، وَ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَمُوتُ فِي بُقْعَةٍ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ إِلَّا قِيلَ لِرُوحِهِ الْحَقِي بِوَادِي السَّلَامِ، وَ إِنَّهَا لَبُقْعَةٌ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ ". وهذا مايفسر لنا وجود العديد من الشخصيات الإسلامية على مر التاريخ ورغبتها بان تضم ارض النجف أجسادهم الطاهرة أمثال كميل بن زياد النخعي وعدي بن حاتم الطائي وسهل بن حنيف وغيرهم. وتمتاز ارض النجف الاشرف بارتفاعها المحصن لها من الغرق حيث يبلغ الفرق بين منسوب ارتفاعها ومستوى نهر الفرات من جهة الشرق حوالي 75 مترا، وبينها وبين منسوب ارض بحر النجف من جهة الغرب حوالي 90 مترا، والتاريخ الذي وثق فيضانات الفرات لم يخبرنا بأية توجه لفيضانات الفرات تقربت لمنطقة الفرات او أطرافها. ورغم بدائية الحالة التي تعيشها مقبرة وادي السلام وافتقارها لأبسط الخدمات كالطرق المعبدة التي انعدمت بسبب الدفن العشوائي الذي هو ابرز ملامح المقبرة العريقة والسبب يعود إلى أيام الحرب العراقية الإيرانية التي ازدهر فيها موسم الدفن، يؤكد المسؤولون في المحافظة على رصد مبالغ ووضع تصاميم حديثة تساير ما وصل اليه العالم من اهتمام للأجداث . وبهذا الصدد يقول المهندس هشام محمد محمود مدير بلدية النجف الاشرف " لقد تم رصد 000 47645000 كمر حلة أولى من أصل مائة مليار دينار لإنشاء سياج يحيط بالمقبرة فضلا عن صيانة وتأهيل الشوارع وإقامة مناطق خضراء ومسقفات لأرصفة بعض الشوارع الرئيسة"، والى ان ترى هذه المشاريع النور يبقى وادي السلام قفرا يشكو ويعتذر لسكانه الموتى وزائريه في كل مناسبة يؤمه ضائقو الصدور. مأوى جميع الطوائف أحياءا وأمواتا وبالنظر لقدسية الأرض وتاريخها فقد أصبحت مأوى لجميع الطوائف في العراق وخارجه ولم تحول بينهم الظروف الا في فترات تتدخل فيها الظرف السياسي يومها. وكشف لنا مدير مكتب استعلامات الدفن المهندس عمار حبيب إحصائية عدد الجنائز التي أمت النجف الاشرف من خارجها خلال عامي 1974 -1975 فتبين انها بلغت (28171) ألف جنازة، بينها (15644) ألف جنازة للذكور و(12527) الف جنازة للإناث)، بينها جنائز قدمت من الكويت وسورية والسعودية وايران وفلسطين ولبنان ولندن وعمان والبحرين والباكستان والاتحاد السوفيتي سابقا، فيما انعدم مجيئ الجنائز من خارج العراق بسبب المنع الحكومي زمن النظام البائد. وقد ارتفعت معدلات الجنائز بعد سقوط النظام البائد بسبب تصاعد وتيرة العنف في العراق والعمليات الإرهابية، فضلا عن الجثث المجهولة الهوية ومقطوعة الرأس التي خصص لها مقابر خاصة تحمل بعضها أرقاما بدل الأسماء كدليل على صاحب القبر المجهول صاحبه. يقول أبو عباس وهو يفتخر بأنه يمارس مهنة الدفن منذ 55 عاما : يطلب العديد من المؤمنين في وصاياهم بان يدفنوا في ارض النجف الاشرف لعلمهم بقدسيتها ولم تقف أمامهم أي عوائق في هذا الأمر. وأضاف: حتى أيام العنف الطائفي فقد وصل النجف الاشرف العديد من الجنائز لأصحاب المذاهب الإسلامية الأخرى للدفن هنا حسب وصايا الميت نفسه. وتابع ابو عباس يتحدث عن تاريخ مهنته قائلا ان أصعب ماعشناه هو أيام الحرب العراقية الإيرانية فقد كانت المقبرة مسكن للدفانه والهاربين من الخدمة العسكرية الذين اتخذوا من سراديب المقبرة مسكنا لهم فضلا عن جعلها مصدرا لرزقهم، حيث أمسى الهاربون يمتهنون دفن الموتى ليلا فيما هم رقود نيام نهارا. وفي المقبرة أيضا طرق شتى لكسب الرزق ففضلا عن وجود مغسل الأموات وبائع الكفن هناك من يحمل بيديه الشموع والبخور وماء الورد الذي يرش على قبر الميت وهناك من يتكفل بقراءة القران على القبر بعد ان يأخذ الإذن من ذوي الفقيد. ولم تخلوا مقبرة وادي السلام من قصص الأساطير والخرافات كالتي يتناولها العاملون فيها كسماع الأصوات الغريبة من السراديب والأحاديث ورؤية الجن وغيرها من الروايات التي تأخذ اغلبها طابع التندر وإظهار الشجاعة والفتوة لدى الراوي. طقوس وتراتيل في زيارة الأحبة ولزيارة المقبرة طقوس خاصة يمارسها الاهلون والأحبة للتعبير عن محبتهم للفقيد فضلا عن إقامة المراسيم المعتادة عند الزيارة لاسيما أيام الأعياد والجمع حيث آلاف الزوار من مختلف المحافظات العراقية يتوجهون الى وادي السلام لزيارة الأحبة المغيبين تحت الثرى. كما وتعتبر المتنفس الأول للعديد من سكان المحافظة وما جاورها في ايام المناسبات الدينية، ومن هذه الطقوس يحدثنا علي حاتم 35 سنة قائلا " تعودت على جلب عائلتي في كل عيد لزيارة من سبقونا الى وادي السلام حيث نستقبلهم بتوزيع النذور والشموع والبخور وقراءة القران، مضيفا وكلما ضاقت بنا الصدور جئنا لزيارة القبور. ولكثرة المقابر وتشعبها يتخذ الزائرون وذوي الفقيد علامات وخرائط خاصة للدلالة على قبر الفقيد لاسيما في المقبرة التي تسمى اليوم بـ (المقبرة القديمة) والتي ابتدأ الدفن فيها مباشرة بعد حرب الثمان سنوات بين العراق وإيران، حيث الرائي لها اليوم يجدها كتل من السنامات العالية والمتراصة يتعذر على المار ان يجد طريقا سالكا بينها، فيما يستعين البعض بمكتب الدفان وإرشاداته لمعرفة قبر او مقبرة العائلة، اذ ان لكل بيت او عائلة او عشيرة دفان خاص بها يتكفل هو وعماله بدفن الشخص الذي ينتمي للعشيرة ولا يجوز التجاوز لدفن شخص من عشيرة أخرى لان هذا يمثل تجاوزا على زميله الدفان الأخر وربما يثير المشاكل في كثير من الأحيان بين أصحاب المهنة أنفسهم، وابرز عائلة عرفت بقدمها في امتهان الدفن هم عائلة ( آل ابوصيبع، وال جعيفري) فضلا عن وجود شخصيات تعمل على شاكلتها تفتخر بأنها دخلت المقبرة منذ نعومة أظفارها كالحاج ابوعلي مطرود المعروف بجلسته عند مكتب استعلامات الدفن ليُرشد ويستدل منه على اصحاب القبور القديمة والشخصيات التي دفنت فضلا عن شوارع وأزقة الوادي. وسهلت وسائل الاتصال الحديثة كالموبايل امر (الجنّازة) وهم المشيعون الذي يأتون بالميت من منطقة سكناه البعيدة الى النجف، حيث يقوم احد أفراد العائلة بالاتصال بمكتب الدفان ليتخذ الإجراءات كحفر القبر وتهيئة الارض حتى وصول المتوفى استثمارا للوقت. وعن الكيفية التي يتم بها تهيئة القبر يقول ابو عباس " يتم حفر مامقداره قامة إنسان سوي ومد ذراع، بعدها يتم شق الجهة اليسرى للقبر وهو ما يسمى (اللحد) بحجم جسم المتوفى ليوارى بداخله بعدها تسد فتحة (اللحد) بالطابوق الطيني الذي لم تمسه النار قبل ان يزاح عليه التراب وهي المرحلة الأخيرة من الدفن، يخير فيما بعد أقرباء الميت بنوعية البناء الخارجي للقبر، وهنا تتزاحم العاطفة والافتخار النسبي ليتم في المحصلة النهائية الوقوف على نوعية بناءه وان يكون أعلى من القبور المجاورة. وبقدر ما كانت مصدر الهام السحرة فوادي الرافدين ايضا مصدر الهام الشعراء وعشاق الأدب والعباد والزهاد نظرا لما تستهويهم من سكونها الرهيب ناهيك عن العبرة والدرس الذي تعطيه بايحاءها الى النهاية المحتومة للإنسان وعدم تمييز سكانها تحت الثرى بين الفقير والغني والملك والمملوك، يقول الشاعر النجفي علي الشرقي: سل الحجر الصوان والأثر العادي خليلي كم جيل قد احتضن الوادي فيا صيحة الأجيال فيه إذا دعت ملايين آباء ملايين أولاد ثلاثون جيلا قد ثوت في قراره تزاحم في عرب وفرس وأكراد عبرت على الوادي وسفت عجاجة فكم من بلاد في اللاغبار وكم نادي ويقول شاعر اخر : ويا تربةً وادي السلامِ قرارها ومن حبّها في كل قلبٍ هوىً بادي سقاكِ الحيا من تربةٍ قد ترعرعت على حُبِّها نفسى بساعةِ ميلادي علقتُ بها طولَ الحياةِ وإنني سأبعث مَقروناً بها يوم ميعادي