القدس قلب الاسلام وضمير الامة - الدكتور عبد الكريم السلطاني

القدس قلب الإسلام وضمير الأمة
بمناسبة مُحاولة اليهود هدم جسر المغاربة في المسجد الأقصى
الدكتور عبد الكريم السلطاني
​إنّ الكيان الصهيوني يعمل بقوة على ضمّ القدس الشرقية التي فيها المسجد الأقصى إلى كيانه في فلسطين، ولذلك فهو يقوم بأضخم حملة لبناء مستوطنات إسكانية في القدس الشرقية لم يشهدها الكيان مُنذُ قيامه عام 1948م، ثمّ يُشجّع يهود العالم للهجرة إلى القدس الشرقيّة ليُسكنهم في تلك المستوطنات، وهو يسعى في هذا الاتجاه لحمل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ومجلس الأمن على نقل سفاراتها من تلّ أبيب إلى القدس الشرقية، ليفرض هذا الأمر على الأمة الإسلامية باعتباره أمراً واقعاً مفروضاً عليهم، وهو يعلم مدى الآثار النفسية التي تصيب جسد الأمة الإسلامية إذا تحقق له ذلك .
إنّ الكيان الصهيوني في فلسطين يُدرك أنّ القدس هي سرّ صمود الشعب الفلسطيني وأنّ سَلْخَ القدس عن الشعب الفلسطيني سيؤدّي إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني، وإخضاعه لإرادتهم، وإجباره على القبول بالمشاريع الإسرائيلية – الأمريكية الاستسلامية، ويُدرك الكيان الصهيوني أيضاً أنّه إذا انكسرت إرادة الشعب الفلسطيني فإنّ إرادة المسلمين عامة، والعرب خاصّة ستنكسر وستتحطّم نفوسهم ومعنوياتهم، وستنطفئ جذوة المقاومة في ضمائرهم، ثمّ يسهل على الحلف الأمريكي الصهيوني إخضاعهم لسيطرته المباشرة، وإقامة الشرق الأوسط الجديد وفق المواصفات الأمريكية الصهيونية .
​إنّ الكيان الصهيوني يهدف من محاولته هذه الأيّام هدم جسر المغاربة في المسجد الأقصى إلى التأثير على معنويات الشعب الفلسطيني بصورة عامّة، ومعنويّات المقاومة الفلسطينية بصورة خاصّة، ويُريدُ من وراء ذلك أيضاً أنْ يجسّ نبض العرب والمسلمين تجاه هذه المحاولة، فإنْ وجد ردّ فعلهم ضعيفاً تمادى إلى مكان آخر من المسجد الأقصى فهدمه .
إن الحلف الأمريكي الصهيوني يُدرك تماماً المعادلة التالية : وهي أنّ الشعب الفلسطيني بصموده في مقاومة الكيان الغاصب سيُعطي للشعوب العربية والإسلامية جرعات من القوة والثبات في وجه الهجمة الأمريكية الصهيونية الشرسة على الإسلام والمسلمين .
​إنّ إسرائيل إذا نجحت في كسر إرادة الشعب الفلسطيني والنيل من صموده فإنّهم سينجحون في كسر إرادة المسلمين، وتحطيم معنوياتهم، وحينئذٍ تكون المنطقة العربية والإسلامية قد دخلت في مرحلة يُمكن تسميتها بمرحلة (إرهاب الأمة الإسلامية)، ومن صفات هذه المرحلة مُلاحقة المُعارضين للمخطط الأمريكي الصهيوني، وإسكات أصواتهم بشتّى الطرق والوسائل، وحينئذٍ يجد المسلمون أنفسهم أنّهم واقعون في قبضة الحلف الأمريكي الصهيوني، ولا يجدون ناصراً أو مغيثاً للمسلمين، فيشعرون في أنفسهم أنّهم لا يملكون حولاً ولا قوة للإفلات من قبضة ذلك الحلف، فتنكسر بسبب هذا الإرهاب إرادتهم، وتتحطم معنوياتهم . وإذا استطاع ذلك الحلف الشيطاني أنْ ينجح في إيصال الأمة الإسلامية إلى هذا المستوى من الشعور بالانهزامية فإنّه يكون قد وصل إلى تحقيق أهدافه في إيجاد شرق أوسط جديد وفق المواصفات الأمريكية الصهيونية، ويتمتّع فيه الكيان الصهيوني في فلسطين بالأمان، ودوام الوجود، وتوسيع كيانه الجغرافي، ويكون ذلك الحلف قد وصل إلى أهدافه في تعطيل أو إماتة كل مَعْلَم من معالم الإسلام يمدّ الأمة بالقوة والإرادة والثبات على الحق والدفاع عنه .
إنّ مكر الله أعظم من مكر أعداء الإسلام، وإنْ كان مكرهم لتزول منه الجبال ، إنّ الله تعالى قد جعل القدس والقضية الفلسطينية سداً منيعاً أمام المكر الأمريكي الصهيوني، وطوداً راسخاً تتحطم عليه مؤامرتهم الكبرى ضدّ الإسلام والأمة الإسلامية . أجل *لقد جعل الله القدس قلب الإسلام وضمير الأمة، فكلما ضعفت الأمة الإسلامية بسبب شدة الهجمات الموجهة ضد الإسلام، وقوة المؤامرات التي تستهدف كيانها، تحرّك قلب الإسلام ( القدس ) ليضخ في جسد الأمة من دماء الفلسطينيين دماء الحياة التي تمدّها بالقوة اللازمة على البقاء والاستمرار والثبات . وكلّما خمدت جذوة ضمير الأمة، وظنّ عدوها أنها أصبحت أمة كقطعان الأغنام، تنام على الذلّ وترتضي الهوان وتقر الضيم والخسف، تحرك قلب الإسلام (القدس)، ليضخّ في ضمير الأمة من ثبات المقاومة الفلسطينية سرّ الدوام والاستمرار على المقاومة، فإذا ضمير الأمة ما يزال حياً، وإذا الأمة تنتفض، وترفض الذل والهوان .​
لقد خصَّ القرآن الكريم القدس ( المسجد الأقصى )، وما حوله من الأرض بآية عظيمة ، فيها دلالات عظيمة من سورة الإسراء التي هي من أوائل السور التي نزلت على النبي محمد (ص) في مكة، وهي قوله تعالى: " سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ " (الإسراء :1) *فقد تضمَّنت هذه الآية إضافة إلى إثبات حادثة الإسراء الدلالات التالية :
1- أنّ الله تعالى أراد أنْ ينبّه إلى الارتباط الوثيق بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى فيما يكون لهما من أثر في حياة المسلمين، وفي مستقبل الإسلام .
2- أنّ الله تعالى أراد أن يُنبّه إلى أنّ أرض مكة التي فيها المسجد الحرام قد شهدت ولادة الإسلام، وأنّ أرض فلسطين التي فيها المسجد الأقصى سوف تشهد بعث الإسلام من جديد .
3- أنّ الله تعالى أراد أنْ يُنبّه إلى أنّ المسجد الأقصى وما حوله قد جعلها محالاً لبركته وعنايته، لأنّها أمكنة تنطلق منها الأحداث التي تحقق وَعْدَ الله بأنْ يكون الإسلام ظاهراً على الأديان كلها .
4- أنّ الله تعالى أراد أنْ يُرِي النبيَّ محمداً (ص) العلامات والآيات التي سوف تحدث في المسجد الأقصى وما حوله وتكون سبباً في تدمير إسرائيل، وأكَّد ذلك بأنه تعالى عظيم السمع وعظيم البصر، يسمع ويرى كل شيء يحدث في هذه الأرض ، فيبطل ما يُريده بنو إسرائيل ومَنْ يقف وراءهم ، ويُحقّق إرادته في هذا الأمر.
5- أنّ الله تعالى أراد أنْ يُنبّه المسلمين من خلال الانتقال المباشر من حادثة الإسراء إلى الحديث عن بني إسرائيل في سورة الإسراء إلى أنّ هؤلاء سوف يكون لهم دور كبير في المنطقة الواقعة جغرافياً بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، لكي يأخذ المسلمون حذرهم، ويعدّوا لهم أنفسهم وما يستطيعون من قوة ومن رباط الخيل .
إن القدس أصبحت تمثل إرادة الله في مواجهة المكر الأمريكي الصهيوني ضد الإسلام والمسلمين . وفي ضوء هذه الحقيقة الساطعة نُدرك بوضوح سرَّ حركة الإسراء بنبيّ الإسلام محمد (ص) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم من المسجد الأقصى إلى السماء، ونُدرك أيضاً سر الأمر الإلهي للمسلمين بالتوجه إلى القدس في صلاتهم الأولى بعد بعثة النبيّ (ص) ومدة من الزمن بعد هجرته إلى المدينة المنورة، ونُدرك أيضاً سرَّ إخبار النبيّ المسلمين في أحاديث رُويت عنه أنّه سوف يكون في بيت المقدس وأطراف بيت المقدس رجالٌ ما يزالون ظاهرين على الحق حتى يتحقق وعد الله تعالى في جعل الإسلام ظاهراً على الأديان كلها، ونُدرك أيضاً معنى الحديث المروي عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق *(عليه السلام) : " إن أول من يُبايع القائم (المهدي) (عليه السلام) جبرئيل (عليه السلام) ... ثم يضع رجلاً على بيت الله الحرام، ورجلاً على بيت المقدس، ثم ينادي بصوت ذلق تسمعه الخلائق : أتى أمر الله فلا تستعجلوه "، ونُدرك أيضاً معنى الأخبار المروية عن رسول الله (ص) التي يُخبر فيها أنّ حفيده ( المهدي ) يأمر - بعد أنْ يأذن الله له بالخروج لإقامة العدل في الأرض - بتحرير القدس من قبضة الكيان الصهيوني، وأنّه يتوجه إليها بعد تحريرها، ويصلي فيها أول صلاة رسمية له ، تُنْقَل إلى جميع أنحاء العالم .
فيا أيها المسلمون، لا تقصّروا في حقّ القدس، واستثمروا كلَّ وسيلة لإيصال صوتكم إلى مُغتصبيها بالكلمة الحقّة الجريئة، والتظاهرة المُندِّدة بما يقوم به مُغتصبوها لتغيير معالم المسجد الأقصى، وبإقامة الندوات والحوارات التي تُقوّي الروابط المُقدّسة بين القدس والأمّة المسلمة، واعلموا أنّ القدس والقضية الفلسطيني تمثل إرادة الله في مواجهة المكر الأمريكي الصهيوني ضدَّ الإسلام والأمة الإسلامية، فإنْ تخلّيتم عن القدس والقضية الفلسطينية فإنَّ إرادة الله ماضية، ويستبدل بكم قوماً غيركم ولن تضرّوه شيئاً، فكونوا أنتم الذين تنصرون إرادة الله دون غيركم، و " إنْ تنصروا الله ينصركم " .
*

شكرخاص ابن العم سالم ومشكور الدكتور عالموضوع قضية العرب جميعا
فلا يجب أن ننسى أولى القبلتين

طرح جميل شكراً لك ابن العم

شكر خاص من ابن الأخت خالد العلي لخواله البوسلطان