السيرة الذاتية للواء الركن ابراهيم المرير
هو : الشيخ ابراهيم حسين خلف المرير من مواليد 1957م في محافظة نينوى – ناحية القيارة – قرية المرير ،خريج الدراسه الاعداديه الفرع العلمي العام 1977م - خريج الكليه العسكريه للعام 6/كانون /1980م ومنح شهادة بكلوريس علوم عسكريه .
خريج كلية الاركان العراقيه في 6/ كانون/1989م ومنح شهادة الماجستير علوم عسكريه خريج كلية الحرب العراقيه في ايلول عام 2000م منح شهادة الدبلوم العالي بعد الماجستير علوم عسكريه وهي تعادل الدكتوراه . شغل عدة مناصب قياديه في الجيش اعتبارا من امر رعيل دبابات – امر سرية دبابات – امر كتيبة دبابات – امر لواء مشاة الي – امر لواء مدرع – ضابط ركن اول فرقه مدرعه – واخيرا رئيس اركان فرقه مدرعه لغاية 9/4/2003 م وكان مرشح لمنصب قائد فرقه مدرعه قبل الاحتلال لاكماله الشروط حسب تدرج منظومة اعداد الضباط المعتمده في الجيش العراقي الصارمه ، ووصل الى رتبة عميد ركن في الجيش وكان مستحق رتبة لواء ركن في 6/ كانون عام 2004م لاكماله الشروط حسب ضوابط منظومة اعداد الضباط . حصل على وسام والعديد من الانواط في خدمة العسكريه لشجاعه وكفائته
مابعد الاحتلال 9/4/2003 م
في نيسان عام 2004 م شكل مع الشيخ نايف احمد صفوك الفيصل الجربا تكتل حركة مستقبل العراق المستقله في الموصل واشترك في الكثير من التجمعات الوطنيه وبعدها انظم الى مجلس عشائر الموصل الموحد وامينها العام الشيخ انور الندى واشترك في انتخابات مجالس المحافظات للعام 2005م وحصل على مقعد من اصل مقعدين لمجلس عشائر الموصل وكان عضوا بارزا في مجلس محافظة نينوى للدوره الثانيه للفتره من كانون 2005م لغاية كانون 2009 م وحصل على العديد من المشاريع الحيويه للمنطقه منها
1. انشاء مستشفى القيارة
2. فتح قسم تربية القياره
3- فتح قسم منح شهادة جنسية في القيارة
4- فتح قسم منح جواز سفر بالقياره
5- بناء مدرسه ابتدائيه تخدم قريه وادي المر وقرية وادي التينه
6- بناء ثانويه تخدم قرية المرير وقرية وادي المر وقرية وادي التينه
7- بناء مركز صحي يخدم القرى اعلاه
8- شارك في عدة مؤتمرات وطنية في الاردن ثلاث مرات..
9- اشترك في مؤتمر ترعاه الامم المتحده لمدة ثلاثة ايام ( للاداره الرشيده في العراق) في شباط 2007م في العاصمه الاردنيه عمان حضره العديد من الشخصيات السياسيه والفكريه والوطنيه المهتمه بالشأن العراقي بعد الاحتلال
مؤلفاته .
*لديه ثلاثة بحوث عسكريه
*لديه كتابان وهما مذكرات شخصيه المذكوره ادناه ..
*كتاب الشيخ محسن الرير – سيرة وذكريات سنة 1994م
*مذكرات الحرب الاخيره -2003 على العراق من قبل امريكا سنة 2003
منذ شبابة رافق عمه الشيخ محسن المرير في حياتة في اصعب واشق وانبل رحلة وعرف عنه و منه الكثير وتعرف على الكثير من شيوخ العشائر ورجالات الفكر والسياسة وحفظ عن عمة الكثير من الموروثات الشعرية والادبية والعشائرية كان مرافقا لعمة عند مقابلة ولي عهد السعودية الامير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في ربيع 1983م ومرافقا لعمه عند مقابلة السيد ياسر عرفات رئيس دولة فلسطين في بغداد عام 1989م 00 ووفاء لعمه اعد كتيبا بعد وفاة عمه في العام 1993 عنوانة (الشيخ محسن المرير 00 سيرة وذكريات) جرى البحث فيه لمدة سنة من حزيران 1993 الى حزيران 1994 اعد كمسودة وتم طبعه بمئة صفحة وتوزيعه لابناء العائلة تناول فيه السيره الذاتيه للشيخ محسن المرير منذ شبابه وحتى مماته ، وبعد وفاة عمه كان السند الاكبر لابن عمه الشيخ عبد محسن المرير بدعم موقفه المادي والمعنوي لدى الدولة والعشائر وكان رديفا امينا له وشكّلا افضل ثنائي لملئ الفراغ الذي تركة عمة الشيخ محسن المرير . مكافحا ومنافحا عن عائلته وتاريخها في زمن الفوضى والنسيان بالنظر لتمسكة العشائري خلقت له مشاكل مع السلطة والدولة في حياتة العسكرية فقد احيل الى دائرة المحاربين في بداية عام 1994 وهو برتبة (مقدم ركن) في الجيش بحجة (التطرف العشائري الحاد) واعيد الى الجيش بعد مقابلة وفد من شيوخ عشيرة اللهيب لممثل رئيس الجمهورية لشوؤن العشائر ومناشدتهم بانصافه وكان في الوفد كل من الشيوخ –الشيخ محمود الحامد-الشيخ طه الشحاذة –الشيخ عبد المحسن المرير –الشيخ جياد الغثوان –الشيخ سيد زاكي السعدي اضافة الى ابو وضاح واعيد بعد اربعة اشهر من احالته الى دائرة المحاربين ..
خدمته الظروف ان يشغل منصب امر لواء في جلولاء واتيحت له فرصة الإلتقاء مع ابناء عمومته اللهيب في محافظة ديالى واتصل مع كل شيوخ عشيرة اللهيب ووجهائها وسجل حضورا في افراحهم واحزانهم وافضل ما سجل له هو حضوره الدائم في فاتحة المرحوم ( الشيخ صالح الهندي) حيث كانت سيارته هي مركز القيادة وعلمها في قيادة موكب التشيع المهيب الذي بدءا من قرية العيون (سكن عائلة البوهندي) الى جلولاء والسعديه وخانقين وقره تبه اكثر من مائة عجلة موكب التشيع وسجل حضورا دائما في مجلس العزاء من البداية الى نهاية اليوم السابع وشارك في جلسات الصلح الكثيرة لعشيرة اللهيب مع العشائر الأخرى .
له أيضا علاقة مميزة مع جميع شيوخ اللهيب في الانبار وديالى وكركوك وصلاح الدين ونينوى واربيل وبقى على مسافة واحدة من الجميع شعاره في العلاقات مع شيوخ اللهيب احترام بعضهم البعض وكل شخص هو رئيس جماعته ، أما الشيخ العام لقبيلة اللهيب فهي (الشيمة) و النخوه (ونخوة العرجه) هي الشيخ العام فاذا اردت ان تسأل من هو الشيخ العام لقبيلة اللهيب فشعاره او الجواب لدى ابووضاح هو ( نخوة العرجه) او( عيال العرجه) امهر هذه النظره او النظريه باحتضان مضيفه بصور تذكاريه لجميع شيوخ قبيلة اللهيب من الديوانيه مرورا بالنجف وبغداد والرمادي وديالى وصلاح الدين وكركوك ونينوى الى اربيل وحتى صور من كانت لديهم خصومه او اختلاف في وجهات النظر في علاقته معهم معتبرا ذلك استحقاقا تاريخيا لا يجوز التغافل عنه او تهميشه مؤمن بالحكمه القائله (الاختلاف في الرأي لايفسد للود قضيه) وحتى صورة المرحوم الشيخ عبدو الاسعد احد ابرز شيوخ اللهيب في سوريا كانت لها مكانتها في مضيفه
اضافه الى احتواء مضيفه على كتب تاريخيه وكتب الانساب لعشيرة اللهيب تصل الى خمسة مؤلفات مختلفه .. علقت هذه الصور بغرفة ملحقة بالمضيف وهي اشبه بالمتحف احتوت على شجره نسب لعشيرة الللهيب بابعاد (80سم ْْْْْْْْْx120 سم) كتبت على جلد الغزال وكتبت من قبل امهر الخطاطين في كركوك وهو الخطاط المعروف (عوني النقاش) خطت في العام 1997م
وتوجد الكثير من الصور التذكاريه لشيوخ العشائر الأخرى : مثل شيوخ الجبور- شيوخ العبيد- شيوخ شمر – شيوخ الدليم .

الجذور .. وإرث العراقة والأصالة
الشويتيين ( آل المرير)
من عوائل الزعامة والتحكيم العشائرية العريقة في عشيرة اللهيب كان لها دورا بارزا على مر التاريخ في المشاركة مع باقي زعامات اللهيب بكافة الامور التي حدثت ، وهي عائلة او ( بيت عرف ) وكما هو مدون في سجلاتها الشخصية برز منها شيوخا كبار واعلاما معروفين منذ مائتي عام ، ولعل شهرة الشيخ خلف بن مرير بن كلش بن علي بن خضر بن حمزة ، هي التي صنعت مجدهم منذ عام 1907م بصورة فعلية.
ولاننسى الشيخ علي هو جد الشيخ خلف المرير الثاني كان يسمى بالشويتي كان هذا الرجل ذو حظ كبير وقد يكون هو الأساس لبناء مجد العائلة حيث كان يشتي في مشاتي قبيلة طي المحرمة على باقي القبائل في حينها وكان على صلة حميمة مع امراءها وكان يقلد أمراء طي باللبس والعادات والتقاليد وسمي ( بالشويتي ) وتقول الرويات انه كان ذو مال وجاه كبير وكان عندما يأتي السارق فأذا أخذ خروف واحد يقول لرجاله لاتحاسبوه انه محتاج حتماً وإذا أخذ أكثر من ذالك يأمر رجاله بمطاردته ولحد الآن تنتخي العائلة ببخت (شويت) بقولهم يابخت جدنا (شويت) وسمي اعقابة بالشويتين بين عشيرة اللهيب / والدويزات ولكن لقب ( المرير ) غطى فيما بعد على فخذ الشويتين بين العشائر بعد ظهور الشيخ خلف المرير حيث كان يسمى (ابن مرير) وهكذا صار لقب (المرير ) بديلا عن لقب (الشويتين )..
اولاد الشيخ علي خضر الحمزة : كلش
اولاد كلش : مرير وعثمان ووتاح
اولاد مرير : الشيخ خلف وعبدالله وجدعان وحمد
اولاد الشيخ خلف : الشيخ محسن وحسين وعكاب واحمد
اولاد الشيخ محسن : الحاج عبد ، وعبدالكريم وعبدالعزيز وعادل
أولاد حسين الخلف : الحج ويس ، ( الشيخ ابراهيم ) ، خضر ، سعد ، عبدالمجيد ، عبدالواحد وعبدالله وزكي وحميد
أولاد عكاب الخلف : حسن وخليل وعطية وأحمد وعدنان وقحطان ومحمود
أولاد عبدالله المرير: نايف
أولاد نايف : عبد وعبدالله ومحمد ومحمود واحمد وحنش وحميدي
الولادة ..البداية ..التكوين
في تموز عام 1957 ، وفي يوم شديد الحرارة ، متعب منهك ، ولد للحاج حسين خلف المرير 1900-1993 ابنه الرابع ( ابراهيم) ، بعد أشقائه : خضير 1932-2004 ، الحاج ويس 1936-/ ، سعد 1947-/ ..
كانت الولادة في محافظة نينوى – ناحية القيارة – قرية المرير ، في لحظة كان فيها الجميع منهمك على اكمال تنقية الحبوب ( الحنطة) وفصلها عن سنابلها بوسائل بدائية بواسطة آلة ثقيلة تسمى (الجرجر) تجرها الحيوانات بصورة دائرية ومن ثم ذرها في الهواء بواسطة آله خشبية خفيفة تسمى ( المذراه أو (المذرات) وكان الجميع يتطلع الى اكوام السنابل او (البيادر) ، وحده الحاج حسين كان يراقب بقلق ولادة زوجته ..
يقول الحاج ويس ، أسرعت أحث الخطى نحو البيت لأراه ، وكنت في أعماقي متلهفا لتسميته ب( ابراهيم) نسبة لإبن خالي الشيخ ابراهيم السلمان الوكاع الجبوري او (نوري) نسبة لإبن خالي الآخر الشيخ نوري ذياب الوكاع ..
وفعلا وجدتهم أسموه (ابراهيم) ، ونظرت إليه بلهفة وشوق وأطلت النظر الى محياه ، كان طفلا أسمرا فارع الطول هاديء الطبع ، أحببته من كل قلبي رغم انه أخي من أبي فهو أخواله شيوخ عشيرة الأمام من الجبور وأنا أخوالي الوكاع من كبار شيوخ الجبور كذلك ، واستمرت محبتي له ، ومحبته لي ، حتى آخر يوم من حياته ، لم يحدث مايعكر صفو هذه العلاقة أبدا فكنت أنا الأب والأخ والصديق والمستشار ..
ومن شدة تعلقه بي أنه كان طفلا يحبو وعندما أريد الخروج من البيت يأتي ورائي حبوا وهو يصرخ فأقوم بإلتقاطه وإرجاعه لوالدته وسط صراخه بالرفض ومحاولته الإلتصاق بي ..
وإزدادت محبتي له أكثر حين رأيته وهو صبي في رؤيا لازلت أتذكرها كان جالسا متربعا وأمامه القرآن كأنه نور ، وليس أدل من ذلك أنه قبل دقائق من إغتياله وهو يهم بدخول المسجد لأداء صلاة العشاء صلىّ ركعتين في بيته وإتصل بصديق له ليتدبر له أداء حج العمرة مع زوجته بعد ان كان قد أدى الحج لوحده ، وفي لحظة إغتياله كان أصبعه متجه للسماء بالشهادة وسجد على الأرض مضرجا بدمائه..
ويضيف الحاج ويس : عندما كان صغير السن كنت حريصا على أخذه معي الى الموصل بعد أن تلمست فيه الرجولة المبكرة وحب الأطلاع على أبعد من محيط قريته ، ولا أعرف لماذا كنت أفضله على بقية أخوتي ، حقيقة كان قطعة من روحي ، وكان هاجسا خفيا يشعرني أنه سوف يموت أو يقتل أثناء توجهه للصلاة الى المسجد الملاصق تماما لداره ، فكنت أقول له لاتذهب للصلاة فجرا أو عشاءا فأنا أخشى عليك ، فكان يضحك مني ولم يكن يلتفت الى هواجسي ومخاوفي ..
كان في طفولته كبيرا يحمل سمات الكهول ورغم أنه دون العاشرة من عمره إلاّ أنه كان يمشي مع الشباب الأكبر منه سنا وعندما أصبح شابا كان رفاقه هم كبار السن والشيوخ ولايأنس بغيرهم ، وهم يجدون سلوتهم به . ورغم رقته في طفولته إلاّ أنه كان شديد الإعتزاز بنفسه ولايترك ثأره من أقرانه ولو بعد حين ، إذ صادف أن جاء أحد أبناء عمومته ممن يكبره سنا ، فوقف أمامه وعاجله بضربة مؤلمة على وجهه وعندما صحت به – والكلام للحاج ويس – قال لقد غدر بي البارحة وضربني وهرب وأنا أضربه وجها لوجه ثأرا لما فعله بي ..وعندما كنت أعمل وأرجع للبيت بعد منتصف الليل ، وبمجرد أن أهمس بأذنه بضع كلمات وهو مستغرق في نوم عميق حتى يمد يده في الهواء كأنه يقول خذني في أحضانك فأقوم برفعه وإحتضانه وهو نائم وأنقله الى فراشي ..
لقد كان كما قلنا شيخا بثياب شاب ، رفض أن يعيش مرحلة شبابه كما يفعل أقرانه ، فقد كان وهو طالب يصر على إرتداء الزي العربي بعد الدوام ، وعندما أصبح ضابطا كان يحمل معه ثيابه العربية ودلال القهوة في حقيبة خاصة أينما إنتقل أو ذهب الى مكان ، وإذا كانت لديه عطله أو إجازة قصيرة فهو لايأتي للبيت بل يذهب الى اولاد عمومته الجبور واللهيب يقضيها بين البيوت الطينية أو المضايف والدواوين وسط توسلات أصدقائه له بالذهاب معهم الى الأماكن الترفيهية أو المتنزهات ، فكان يقول أنا خلقت للمضايف والدواوين ولم أخلق لغيرها ..








وليس أدل من ذلك أنه مرّت على العراق بعد العام 1980 رفاهية مفرطة في إقتناء السيارات الحديثة وبناء المنازل فكان أن تم تكريمه عام 1982 بسيارة حديثة فقام ببيعها فورا وبناء مضيف كبير وبقي يذهب لوحدته العسكرية او لمناطق أخرى بسيارة أجرة ، وعندما فتح الله عليه وأصبح برتبة لواء ركن ورئيس أركان فرقة وعضو مجلس محافظة كان ينفر ويحتد على من يطلب منه إقتناء سيارة حديثة تناسب مركزه الوظيفي أو بناء بيت حديث ، ويقول حدثوني عن عن أكبر منسف رأيتموه في مضيف أو عن رجل أكرم ماعنده أو مضيف لازال يصارع الزمن وتقدم فيه القهوة ، السيارة والبيت زائلان أما المجد والمناسف والدواوين فتبقى عامرة بأهلها وتتناقل حكاياتها المجالس وما أتركه لأولادي هو التراث والفخار بوالدهم وليس غير ذلك ..
وهذا المبدأ في السير وراء التراث والحياة الإجتماعية جعله رجلا يعيش حالة طبيعية قياسا لمركزه العشائري والوظيفي ، فهو ينفق على أي مجموعة من الأشخاص تمشي معه أو يسافر معها ، وينفق كل ماعنده وسط عتب محبيه تحسبا من قادم الأيام ، فكانوا يقولون له أنت رجل معروف أمسك يدك قليلا ، وكان جوابه هو الرفض ، فهو تعوّد على العطاء لا الأخذ ، الكرم وليس الشح والإمساك ، وكان إذا أتاه ضيف ( وما أكثرهم ) يقوم بذبح عدة ذبائح له فهو يمتلك معدات كاملة لمستلزمات الضيافة ومأوى خاص للماشية المخصصة للضيوف ثم يدعو أبناء قريته إكراما للضيف أو قد يشمل ذلك أبناء القرى المجاورة والأبعد وهذا تكرر كثيرا كثيرا ويعرفه الجميع ، فوصول الضيف بالنسبة له كهلال العيد عند البعض ، وإذا كان الضيف له حاجة عند مسؤول ما فهو يهب من فوره بعد واجب الضيافة ويذهب مع الضيف على حسابه ربما لعدة مئات من الكيلومترات ويرفض أن ينفق الضيف أي شيء أثناء السفر..
كان بحق يحمل أخلاق الفرسان ، شهما .. غيورا ..متدينا ..هادئا ..لايحمل ضغينة لأحد ولايحقد ، ضاحكا بشوشا بوجه من يلقاه ولم يعرف عنه العبوس أو تجاهل أي شخص مهما كان وضعه الإجتماعي ..
وبسبب فروسيته كان هدفه في الحياة أن يصبح ضابطا طيارا رغم إعتراض أهله خوفا عليه ، إلاّ أنه بعد أن أكمل دراسته الإعدادية في ثأنوية القيارة ، قام بتقديم أوراقه الى كلية القوة الجوية في تكريت عام 1977 لتحقيق حلم حياته الذي داعبه منذ صباه . ويقول رئيس المهندسين جمال صالح غريب اللهيبي من أهالي حصيبة في الرمادي ، في جلسة جمعتني مع الأخ والصديق وإبن العم ابراهيم المرير رحمه الله ، سألته سؤال ، وقلت له ، أبو وضاح ، لماذا أصبحت ضابطا في الجيش ، هل هي رغبة منك ؟
فأجابني كنت طالبا في الثأنوية وذكيا ، لكني رسمت لنفسي هدفا منذ الدراسة وهو أن أصبح طيارا . فقلت له ، لماذا ؟ قال رحمه الله ، منذ الصغر سمعت بيتا من الكصيد أظنه لإبن سعود ، لم أحفظ منه إلاّ مقطعا واحدا ، مما شدني أن أكون طيارا كالصقور في الجو ، وكان هدفي بعد التخرج من الثانوية أن أدخل كلية القوة الجوية ، وفعلا دخلت الكلية وتحققت أمنيتي ، ولكن أثناء التدريب وكان عبارة عن إختبار مهم حدث لي عائقا طارئا حال دون إكمالي لبقية سنوات الدراسة في الكلية ، وتم تحويلي الى الكلية العسكرية وأصبحت ضابطا لا طيارا كما ترى ..وأكد لي شقيقه عبدالمجيد أن ذلك العائق هو قيامه بالتبرع بالدم لصديق له من عشيرة العبيد كان راقدا في مستشفى بمدينة الموصل قبل الإختبار المهم بيوم واحد ، وعندما ذهب مباشرة الى الكلية وهو مرهق من الطريق وتبرعه بالدم ، حصل له نزيف في الأنف فتم تحويله الى الكلية العسكرية لأن النظام الداخلي لكلية القوة الجوية كان صارما جدا لايقبل التأويل ..وبعد تخرجه ضابطا عيّن في قاعدة القيارة الجوية بصفة ضابط اداري وهي لاتبعد عن قريته بأكثر من 5كم – 7كم ، ورغم أن رتبته كانت ملازم ثان إلاّ أنه أصبح مساعدا لآمر الصنف الإداري بسبب قوة شخصيته ومكانته الاجتماعية ، ويصفه المهندس جمال غريب الذي خدم بمعيته ، أنه كان ضابطا شجاعا ومخلصا ومتفاني في أداء الواجب ، وكانت تحترمه كل الفصائل العسكرية وكل الضباط الذين هم أعلى رتبة منه ، وكانت كلمته مسموعة ويقدره الجميع ، فهو جامع بين العسكرية بحذافيرها والعشائرية وماتفرزه من أخلاق وقيم متممة لشخصيته العسكرية الملتزمة الصارمة ، وتربية الدواوين التي تنشيء الرجال الأقوياء الأشداء وماتتصف به من كرم ودماثة خلق ونخوة وغيرها من الصفات الحميدة ..
ولكن هل كان هذا الفارس إبن الدواوين يرضى أن يبقى حبيس الغرف المكيفة والمكاتب الوثيرة وهو يرى الضباط والجنود وهم يأتون الى بيوتهم وأهاليهم في إجازاتهم ويتحدثون عن المعارك التي خاضوها في الحرب العراقية – الايرانية !!؟ الجواب لايمكن أن يكون كذلك ،
لذا قام بكتابة عريضة الى مراجعه العليا يطلب فيها نقله الى الوحدات الفعالة في جبهة الحرب ، فتم رفض طلبه لكونه ضابط على صنف القوة الجوية ، وبعد فترة أعاد الأمر مرة أخرى فتم الإجابه على طلبه بالموافقة دون أن يخبر أهله حيث فاجأهم بما عمل وودعهم الى جبهات القتال وسط دهشتهم وذهولهم ، فمن النادر أن يقوم ضابط أو جندي بطلب نقل من وحدة عسكرية آمنة تبعد عن بيته أقل من 10كم الى جبهات القتال التي تبعد عن قريته ألف كيلومتر وقد يعود الى أهله أو لايعود ..
وحول هذا الأمر كتب رحمه الله ( كنت في ضيافة الشيخ عاصي الخلف بداره في قرية الجواعنه وكان بين المدعوين الشيخ مجبل الوكاع وآمر قاعدة القيارة الجوية اللواء الركن خلدون خطاب بكر التكريتي ، وكانت تربطني به علاقة عمل إنتهت بعد تغيير صنفي من (فني قوة جوية) الى ( الصنف المدرع ) ، يث طلب مني العدول عن رأيي بتغيير الصنف لكني كنت مصرا على ذلك ، وقلت له في حينها : ان الموضوع محسوم في النفس والقرار ليس قراري فحسب فهناك عوامل خارج طاقتي لامجال لذكرها أمامك سيدي فأرجو الأمر بإلحاقي الى صنفي الجديد ، وفي الحقيقة كان له إعتزاز كبير بعملي داخل القاعدة ، وإفترقنا بعد ذلك وأخذت كتابي وإلتحقت بعملي الجديد ، وإلتقينا بعدها عند الرجل ذو الحظ الكبير (عاصي الخلف ) وكان هذا أول لقاء لعمي الشيخ مع اللواء الركن خلدون وبدأ عمي يتكلم عن مآثر العرب الخالدة ودور الطيارين في الحروب وقال : اني أشبههم ب (راكان ابن حثلين) أمير قبيلة عجمان في نجد عندما يقول :
تغربشوهن ياإبن مسعود جهال لحجوا وفكوّا حامين الدبيلة
عندها قال اللواء الركن خلدون : الآن عرفت سبب تغيير صنف ابراهيم من القوة الجوية الى أحد الأصناف الحربية ، والسبب هو وجود عمه بهذا الشكل وبهذا العنفوان ، فلايجوز لإبن وإبن أخ هذا الشيخ إلاّ أن يكون في الصدارة وعليه وفّقك الله يا إبراهيم والنصر حليفك .
عموما يقول رحمه الله : عندما وصلت الى الجبهة رأيت الجحيم أمامي ، الأرض ملتهبة والسماء تقذف الحمم ولاتسمع سوى أزيز الرصاص والقذائف والصراخ ودخل من فوره إحدى المعارك ، وعلى الفور أيضا تم تعيينه مساعد آمر فوج وتم تكريمه بنوط شجاعة بمرسوم رئاسي خاص وقدم لمدة سنة ..
وفي معركة نهر جاسم الشهيرة في الحرب العراقية – الايرانية كانت الارض والسماء تنز لهبا وحمما من القذائف وسط الجثث المتناثرة في كل مكان والتي كانت أغلبها لاترى بسبب كثافة الدخان ، ويقول صديقه المقدم عبدالله صالح شبلي القيسي من أهالي مدينة البيجي ، كان أبو وضاح في تلك الفترة يعتز بشدة بتراث العرب ويطبق العادات العربية في أشد الظروف قساوة لذا كانت غرفته في الوحدات القتالية في الجبهة عبارة عن مضيف عربي تقدم فيه القهوة العربية بطريقتها التقليدية الصحيحة وبطقوسها الصارمة ، وأذكر أنه عندما حمى وطيس المعركة صعد ابو وضاح فوق الدبابة وقال ( الآن جاء دور دلال الكهوة لنعطيها حقها ، فإما نكون أو لانكون ، عيب نرتشفها ومانطلع من حكها ) ، ثم أخذ مكبرة الصوت وبدأ يحث الجنود والضباط وينتخي بغيرتهم ويصيح بهم من خلال الأهازيج ونخوات عشائرهم : وين أخوت هدله ( الجبور) ، وين ولد القعقاع ( بني تميم ) ، وين ولد الأبرز ( العكيدات ) ، وين ولد الأمير ( اللهيب ) ، وين ولد الامارة ( بني ربيعة ) ، وين الخزاعل ، وين خيال جيس ( القيسيين ) ، وين الأنصار ( خزرج )..وهكذا ، ويكمل صديقه القيسي بالقول : والله في تلك اللحظة تساءلت مع نفسي وأنا أراه مندفعا ومتحمسا ، هل هذا نهر جاسم أم نهر مرير !!؟ ..وبينما هو في تلك الحالة جاءت قذيفة وإخترقت بطنه وإندلقت إحشائه من فتحة البطن وتصور الجميع أنه إستشهد فتم وضعه مع جثث الشهداء وعند وصوله الى مستشفى ميداني تنبه أحد الجنود وقال أن هذا الضابط حيا يرزق ، فقاموا فورا بنقله الى مستشفى البصرة العسكري واجريت له عملية كبرى إستمرت عدة ساعات فكتب الله له الحياة وإستبدلت بعض أوتاره ( المصارين) بأنابيب بلاستيكية والتي ظل يعاني من ألمها حتى قضى نحبه ...
عموما كانت حياته العسكرية لاتنفصل عنها في مسيرته المدنية ، فهو مقاتل واداري حازم في وحدته العسكرية وفارس وشيخ عربي كريم بين أهله وأصدقائه ، كما كان يرفض أن يكون عالة أو جاها عرضيا لغيره ، فهو دائم الإعتزاز بنفسه ومن خلال إحدى الحكايات التي دونها لنا نستطيع أن نفهم نفسيته .
في شباط عام 1982 إنتقل إلى رحمة الله الحاج إبراهيم الحسن وقد صدر نعي رسمي أذيع بالراديو والتلفزيون وحدد مكان ومدة الفاتحة . كانت وحدتي العسكرية حينذاك هي قاعدة فرناس الجوية وسمعت الخبر من خلال الراديو فجئت إلى عمي مساءا في داره الكريمة وعند وصولي اليه وجدت عنده والدي الحاج حسين المرير والعم الحاج خليفة الجدعان المرير فأخبرته بالموضوع وقلت له مطلوب منك الذهاب إلى مجلس الفاتحة وتأدية الواجب عند ذالك تكلم والدي واعقبه الحاج خليفة رحمه الله ماذا تأخذون معكم ؟ هذه فاتحة كبيرة ورسمية ومن يقرأ ومن يسمع ( أي مامعناه من أنتم ، ستضيعون وسط الأسماء الكبيرة ) لكن شيخنا أبو عبد لم يبالي بما قالوا وقال لي : نعم نذهب صباح يوم غد إن شاء الله . قلت له : سوف اذهب مبكراً إلى وحدتي لطلب الإجازة وسوف آتيك في تمام الساعة التاسعة صباحاً ونذهب سوية ، وفعلاً عدت اليه في اليوم التالي وبنفس الموعد ووجدته متهيئا وبكامل قيافته حيث كان رحمه الله يهتم جداً بقيافته ويعتني بملبسه من شكل وشياكه ونضافه وكنا أبنائه وحتى أطفالنا شديدي الانبهار بقيافته الكاملة ونظافته وأستخدامه للمناديل الورقية ( كلينس ) الذي كان يشتري كميات كبيرة منه لأستخدامها الدائم .. وكنا نقول في أي اكاديمية درس شيخنا وفي أي معهد او كلية غربية تخرج .... كان يعتني بلباسه العربي (الزبون والجاكيت / الصيفي / الربيعي / الشتوي ) لكل فصل ملبسه الخاص به وكان يعتني بأنتخاب ( السبحه ) من أرقى السبح التي يقتنيها , ساعة جيب , الساعات الفضية التي عنده وأخيراً الساعة الذهبية , وكذالك إنتخابه للباكورة شكلها , لونها وكثيراً ماكان يكلفني او أحد أبناءه لصبغها وأعادة شياكتها , ألأحذية ألأنكليزية التي كان يلبسها . انه وختاماً لكل ذالك كان عند جلوسه في أي مجتمع يفوقهم بوسامته وقيافته . نعود إلى موضوعنا فقد تم ما خططنا له ووصلنا العوجة في الساعة الحادية عشر . كانت فعلاً فاتحة وحشد من نوع خاص يجمع من كل الشرائح الاجتماعية والأقليات في العراق والكثير من رجالات الدولة والفكر يحضرون في هذا المجلس وكذالك شيوخ العشائر والشخص الذي حضرنا لفاتحته هو والد الأستاذ برزان التكريتي ( مدير جهاز المخابرات يوم ذاك (والأستاذ سبعاوي ) مدير عام في ديوان الرئاسة ومدير دائرة الكفاح العربي المسلح في القيادة القومية ) والأستاذ وطبان الذي كان يشغل منصب مدير مكتب السيد نائب رئيس مجلس قيادة الثورة , وفوق كل هذا فهو عم السيد رئيس الجمهورية ، دخلنا على بيت الفاتحة والذي كان على شكل خيم مترابطة مع بعضها تغطي مساحة كبيرة من الارض وتحتوي على ألارائك والكراسي الفارهه , وكالعادة كانت هناك وفود تدخل وتقرأ سورة الفاتحة , ومجاميع من الخدم والحشم تقوم بخدمة الحاضرين بتقديم القهوة والشاي والماء وكان هناك من يقوم بتوجيه الوفود ومرافقتهم إلى محل الجلوس وفي صدارة المجلس نجد ( برزان ـ وطبان ـ سبعاوي ـ أدهام ) ويومها كان الأستاذ والشيخ عيادة الصديد محافظاً لصلاح الدين وبعد وقت وجيز وبعد إن تناولنا القهوة والشاي والسكائر كنت متهيئا للخروج بعد إستحصال موافقة شيخنا على ذالك , وقلت له حان الان الوقت للعودة بعد تأدية الواجب ... رد علي نرجع بدون ان نتكلم , إذن لماذا جئنا ؟ المطلوب الكلام والتعبير عن شخصية محسن المرير عندها إنبرى شيخنا بمقدمة جلبت إنتباه الحضور من أعضاء القيادة في الحزب وشيوخ العشائر والوفود الجالسة ... في المقدمة أشاد بأبناء الحاج المرحوم إبراهيم الحسن وبتمسكهم بعادات وتقاليد العروبة , بنائهم بيت الشعر والقهوة العربية الاصيلة , الضيافة الحسنة . وأدلى بقصيدة تركي ابن حميد أحد شيوخ القبائل العربية في نجد قديماً وللحقيقة أقول أصغى الجميع وإنبهر بعبارته , وتساءلوا من الذي يستطيع التكلم في مثل هذه التجمعات الكبيرة التي تجمع رجال الدولة في السلك الحزبي والمدني والعسكري وبين شيوخ العشائر وكانت شخصيات عربية أدبية وفكرية وسياسية حاضرة على رأسهم (السيد ياسر عرفات ) رئيس منظمة التحرير الفلسطينية طلب الأستاذ سبعاوي من الشيخ والأستاذ عيادة الصديد ان يقدم شيخنا لمكان قريب منهم لأن (أبو فارس الأستاذ عيادة) كان هو الآخر له علاقة قوية مع عمي الشيخ ويعتز به أعتزازاً كبيراً وفي هذا اقول ... في عام 1988 كنت طالباً في كلية ألأركان في بغداد وتعودت على زيارة الشيخ عيادة الصديد في داره الكائن في حي الحمراء ببغداد وتعودنا على الجلسات الجميلة التي لها مكانه خاصة في نفسي . حيث نجد في تلك الدار وفي ذالك الديوان العلم والمعرفة بخواصها الايجابية والتقدمية لفهم العالم وفي أحد الايام كان معي في الزيارة الاستاذ والشيخ ابو فارس عيادة الصديد ( المقدم الركن عيسى البشير ) وبعد جلوسنا بقليل رن جرس الهاتف فرفع أبو فارس سماعة التيلفون وإذا بالمتكلم الشيخ فنر الخميس الضاري شيخ زوبع ويبدوا انه يسكن بغداد ايضاً وكان يطلب حضور أبو فارس لداره فرد عليه : أنا في ضيافتي ابن مرير راعي العرجة أرجوا من جنابكم الحضور عندي , أغلق الهاتف وبعد حوالي ربع ساعة تقريباً وصل الشيخ ابن ضاري المحمود الشيخ الذي يذكرنا بمقتل (لجمن ) ذالك الانكليزي الطاغية ، نحن ألان أمام حفيد البطل الذي قتل أحد رموز الامبراطورية البريطانية ,انه ابن الشيخ ضاري المحمود رئيس عشيرة زوبع التي تسكن خان ضاري في أطراف بغداد من جهة الغرب والتي تعود لقبيلة شمر تقدم نحوي الشيخ وقدمني له الصديد قائلاً: انه هذا الرجل ابن أخ الشيخ محسن المرير الرجل الذي يحفظ تاريخ شمر بكامله ويتطلب من شمر عمل نصب تمثال من ذهب للشيخ محسن المرير عرفانا منه بدوره في حفظ تاريخ شمر بكامله . نعود للموقف الذي بدأنا منه تقدم شيخنا بمسافة قريبة من الذوات الحضور في الفاتحة , كان موقفاً ليس بالسهل كان قريباً مني رجلان من ( أغوات الاكراد ) حيث انبهروا بشيخنا وسمعوا عيادة الصديد يقول محسن ابو عبد . بدء الهمس بينهم


إن هذا الرجل الوقور والمتكلم قد يكون هو رئيس قبيلة شمر الشيخ محسن العجيل . انبهر الجميع من شيخنا بتدخله في هذا الايضاح وتغير مجرى الفاتحة من الطور الرسمي وقرأ القرأن بمكبر الصوت إلى الحديث مع شيخنا . تقدم الشيخ علي الدحام ابو فارس وسلم على شيخنا وبعد وقفة قصيرة وسكوت خيم على جو الجلسة ، طلب الاستاذ ابو ياسر ( الدكتور سبعاوي ) من شيخنا التكلم براحته عن مآثر العرب وهذه الحياة فإنفتحت قريحة شيخنا بالكلام والقصيد .. وبعد تناول وجبة الغذاء إستأذن شيخنا طالباً العودة إلى الشرقاط فجوبه بمعارضة شديدة من قبل الدكتور سبعاوي والاستاذ عيادة الصديد طالبين منه البقاء ، فقال لهم أن ابن أخي ضابط ولابد أن يلتحق غدا بواجبه في قاعدة فرناس بالموصل ، فقال برزان خابروا فورا الى وحدته العسكرية وإجازته مفتوحة بأمر المراجع العليا ، فقمت من مكاني وقلت لهم أنا رجل عسكري أرفض رفضا باتا أن تأخذ لي إجازة ولم أتعود على مثل هذه الأمور ، وأما عمي فسياراتكم كثيرة وبإمكانكم جلبه متى شئتم ونهضت وسط دهشة الحضور، وبقي شيخنا لمدة ثلاثة أيام ..
عائلته الصغيرة :
والده هو الحاج حسين خلف المرير من مواليد عام 1900 هاديء الطبع واسع الصدر يحب شقيقه الأصغر الشيخ محسن بشكل غريب ، بل أنه يظل ينتظره بقلق إذا خرج لفصل عشائري أو ذهب لمسؤول من أجل شخص مظلوم ويبكي إذا رآه مهموما رغم أن الحاج حسين أكبر سناّ منه ، ومثله كان شقيقة الآخر عكاب خلف المرير رحمه الله وعندما إنتقل الأخير الى رحمة الله عام 1993 اعقبه الحاج حسين الى رحمة الله بأسابيع قليلة بعد أن دخل في حزن عميق لاقرار له وكأنه فقد توأم روحه ، رحم الله الجميع..
أما والدتهم فهي إبنت الشيخ رزيج رئيس عشيرة جبور الإمام ، وتزوج الحاج حسين زوجتين الأولى الشيخة حمدة السلمان الوكاع وأنجبت له خضير 1932-2004 والحاج ويس 1936 – ولايزال على قيد الحياة (2011) ، والزوجة الثانية من عشيرة الجبور الإمام ( أخوال والده ) وأنجبت له : سعد 1947 والشيخ ابراهيم 1957 وعبدالواحد 1959 وعبدالمجيد 1962 ووعدالله 1971 وزكي 1972 وعبدالحميد 1973 ..
أما الشيخ ابراهيم فأعقب : الضابط وضاح والضابط والمحامي نايف ، وعكاب (موظف) والضابط محسن ، وحسين (طالب) ، وروكان ، عبدالمحسن ( ولي العهد كما كان يلقبه والده رحمه الله من مواليد 2002)
كان الراحل أبا حانيا بكل معاني الكلمة رؤوفا بأولاده متعلقا بهم ولكن بتربية صارمة وإنضباط أخلاقي حبا بهم ورغبة منه في إعدادهم إعدادا إجتماعيا وعلميا يليق بسمعة عائلته ، وكان – كما أعرف – متعلقا بأصغرهم ( عبدالمحسن) فهو المدلل ، ربما لأنه إسمه يذكره بعمه الراحل الشيخ محسن وهو ما أفصح عنه قائلا : بأنه أحيانا يتألم عندما يناديه يامحسن ثم يتذكر عمه ، ويلقّبه بعبدالمحسن الثاني..
حدثني أولاده أنه عندما كان عسكريا بعيدا عنهم يقوم بإرسال الرسائل لهم يحثّهم فيها على الدراسة والتحصيل العلمي ويتحدث لهم من خلال تلك الرسائل عن شخصيات بنت مجدها من خلال العلم ومواصلة تعليمها ، ولكنه بعد أن خرج من الخدمة العسكرية أخذ يعقد لهم مؤتمرات عائلية يتحدث فيها لهم عن الحياة وكيفية مواجهة أزماتها وصعوباتها والإبتعاد عن أي أمر يتنافى مع سمعة عائلتهم وتاريخها المشرق الأصيل الحافل بالمواقف الرائعة لأجدادهم ، مثلما كان حريصا على تعليمهم مبدأ الصيد وتعلم الرمي والقنص والسباحة منذ الصغر رغم معارضة بعض أقاربه الذين يعتبرون هذه الأمور نوعا من الدلال المذموم وما علموا أن نظرة هذا الرجل أبعد مما يتصورون ، فهو يريد أن ينشأ أولاده على حب العلم والفروسية ..
وكان يوصيهم دائما أن يمشوا في الشارع برؤوس مرفوعة وليست مطأطأة ويعلّمهم أن الإنسان هو الذي يصنع الرتبة وليست هي من تصنعه ، كما كان يأخذ رأيهم في كل صغيرة وكبيرة ويناقشهم في قضايا مهمة رغم أن الرأي الصائب كان رأيه ولكن ليعلم أولاده حب المناقشة وإستقلالية الرأي..
كما كان يحثّهم على الخروج من دائرة العلاقات الضيقة في المنطقة أو القرية ويقول لهم مدوّ أجنحتكم في علاقاتكم الإجتماعية الى مناطق جنوب العراق ، وحاولوا أن تمشوا مع أبناء العوائل المحترمة العريقة ممن إتّصفت سيرتهم بالإجلال والتقدير ..
كما أن مخاطباته لهم تدل على تفرّسه التام بشخصية كل شخص منهم على حدى ، والمعرفة التامة بصفاته ودقائق نفسيته ، ففي رسالة له ، أرسلها الى أهله أثناء أو قبيل إحتلال القوات الأمريكية لأرض العراق الطاهرة في نيسان عام 2003 نجده يخاطبهم بالآتي :
أبنائي الأعزاء يامن كل واحد منكم له مكانه في شغاف القلب إبتداءا من الطفل الصغير المدلل عبدالمحسن مرورا بأخته وردة البيت فاطمة وروكان وحسين الهاديء الطبع ويتذكر أولاده جيدا كيف كانوا ينتظرون عودته من وحدته العسكرية ويقفون في أطراف القرية مترقبين إطلالته ، وأول عمل يقوم به قبل دخوله القرية هو زيارة المقبرة والسلام وقراءة الفاتحة على أرواح أهله ، وخاصة والده وأعمامه في دلالة عميقة على رقّة عواطفه التي يحملها بين جوانحه وصلة الرحم التي تميز بها ..
وحقيقة ربّى أولاده على هذه الأسس والخلق القويم والعمل الصالح والأهداف النبيلة فأضحوا أبناءا بررة يشار إليهم بالبنان ، لهم إحترامهم ومكانتهم ولم يعرف عنهم غير الدرب الذي رسمه لهم والدهم وقوامه القيم الاجتماعية الأصيلة وإحترام إسم عائلة المرير ، وكانوا على قدر الثقة التي وضعها ذلك الأب فيهم ، وعرفانا منهم بمكانته الكبيرة والعالية في المجتمع كان أول عمل قاموا به بعد إنقضاء مراسيم الفاتحة هو القيام بعمل يخلد فيه إسم ذلك الأب وتخليد ذكراه ، فكان فكان هؤلاء الأبناء البررة يحملون رغبة وأمنية بإعتباري من أصدقاء والدهم الحميمين والقريبين منه أن نقدم عملا يبقى ذكرى ليقرؤه أحفاده قبل أولاده ، البعيد قبل القريب ، فكان هذا الكتاب من بناة أفكار أولاده جميعا بلا إستثناء ..
تدينه .. وإلتزامه الأخلاقي ..
كان متديّنا تقيّا من غير تكلف أو تزمت ، دائم الخشوع في حناياه وفي جنباته ، تعلوه مسحة من الوقار وسمت المتبتّلين وهدوء وطمأنينة أضفت على محياه هالة من شخصية رجل مؤمن لاتخفى على عين اللبيب ، مثلما لاتخفى على قسماته علامات من حزن مستديم شفيف ..
يؤدّي فروضه الدينية كما علمت منذ صغره وبفطرة نقية في قريته الهادئة ، ثم أصبح مسجد قريته الذي بناه عمه الشيخ محسن مستقره الدائم في تأدية الفروض الدينية ، وكل مواقيت الصلوات يؤديها جماعة في هذا المسجد حتى لحظة إستشهاده على بعد عدة خطوات قليلة من باب المسجد وهو يهم بالدخول لأداء صلاة العشاء ..
ورغم تعلّقه بالصلاة في المسجد إلاّ أنه كان حريصا على اداء ماتيسّر له من صلاة حسبة لله في منزله قبيل ذهابه للمسجد وبعد رجوعه ، إضافة لكثرة قراءته للقرآن الكريم ..
حتى في رسائله تجد المسحة الدينية والتأكيد على التمسك بأهدابه وشعائر الإسلام والتعلق بحبل الله المتين ، ففي إحدى رسائله لأولاده من جبهات القتال قبيل الإحتلال الأمريكي نجد هذا المعنى في قوله :
إنشاء الله نعود إليكم ونذهب إلى جارنا الأمين ( الجامع الحبيب ) ولنعد إلى الله ربنا هو مولانا وهو خير الحافظين . وهو ارحم الراحمين .. بالي مشغول باتجاه (وضاح ) ادعوا له في كل صلاة وتهجد .
ولم يعرف عنه سعيه وراء أمورا دنيوية أو معيبة أو مخالفة للنواهي الإلهية والسنّة المحمدية ، وهذا الإبتعاد جعله يبدو وكأنه أكبر من عمره بل ربما بلغ من العمر مايجعله في صفوف الأشياخ خاصة وأنه رزين هاديء حتى في مشيته فصار من زمن آخر من جيل عمه ذلك الزمن الذي كان يحن إليه ويبكي إندثاره ..
حتى اجازته يقضيها اما في ضيافة أقاربه وأصدقائه في مضايفهم أو في قريته يؤدي واجباته الإجتماعية التي لاتنقطع مبتعدا عن أي أمر يشغله عن هدفه ومبدئه في أن يعيش في عالم الناس الطيبون ، عالم المضيف والدلة وكهوة العرب وأحاديث الزمان الجميل ..
وحتى في أحاديثه تلك تلمس الوازع الديني والأخلاقي ، فهو ليس فحاشا مطلقا في كلامه ، ولايحب أن يغتاب أحدا أو ينال منه أو مكانته الاجتماعية او سمعته ، يحترم الكبير والصغير وهذه ميزة عرف بها فهو دائم التفقد لأطفال قريته يحدّثهم ويوجههم على الخلق القويم والتحلي بالأصالة..