الحمد لله والصلاة والسلام على نبيّنا محمد وآله وصحبه وبعد :
حاولت في هذه الأوراق والسطور القليلة أن أوضّح لمحات عن علاقتي وماربطني من صداقة حميمة مع أعز إنسان على قلبي ألا وهو الشيخ ابراهيم حسين المرير رحمه الله ، بدأتها في محطة ذكرياتي منذ اللحظة الأولى لمعرفتي به وذهابي معه الى عمامي في الجرناف ومجالستي للشيخ محسن المرير رحمه الله ..
كذلك تضمّنت بعض ما أحفظ من قصائد قيلت في حق ذلك الشخص الذي يعجز الإنسان أن يفيه حقه بلسانه أو بقلمه ، وأن يسطر كل مآثره وصفاته الشخصية ..
ليعذرني قلمي وفكري ، وأعترف بالعجز عن إيفائه كافة صفاته الحميدة التي كان يتّصف بها ولم يجود إلاّ بالنزر اليسير من تلك الصفات التي تمثّلت بالشجاعة والكرم والنخوة اليعربية وإستبساله في سوح الوغى ..
رحم الله ذلك الشيخ وأسكنه فسيح جناته وتجاوز عن خطاياه ، وعهدا لمن سيقرأ هذه الذكريات أني لن أنسى الصداقة والأخوة معه ..
( الإهداء )
إيفاءا مني للعهد الذي قطعته على نفسي معكم ، أهدي هذا الجهد المتواضع الى :
• روح من عرفته في أحلك الظروف .
• روح من عرفته يعتز بنسبه ويبحث عن أطرافه .
• روح من عرفته سوح الوغى قائدا ملهما .
• روح من عرفته العشائر والدواوين العربية .
• روح من عرفته الشجاعة وعرفه الكرم .
• روح ابن عمي وصديقي ابراهيم المرير اللهيبي .
• روح الفارس الدرع وقائد الجند والكتائب الشجاعة .

والله من وراء القصد

رئيس المهندسين الزراعيين
جمال صالح غريب اللهيبي
2011 – الرمادي - حصيبة














( بعض ذكرياتي عن الشيخ ابراهيم المرير رحمه الله )
في العام 1983 أنهيت دراستي الجامعية وإلتحقت بالجيش ، وفي ذلك العام كذلك شيّد لنا والدي رحمه الله ، دارا وأراد (صبّ) سقفها ، وطلب مني أن أكون حاضرا في ذلك اليوم لغرض مرافقة العمال وإجراء القياسات ..
فقلت له ليس لديّ إجازة في ذلك اليوم الذي سيصادف صب البيت ، وعندما ألحّ والدي قلت له : ان جارنا هو ضابط ووحدته العسكرية قريبة من الوحدة التي أخدم فيها ، إذهب إليه وإطلب منه أن يحصل لي على إجازة ..
وبالفعل ذهب إليه ورجاه أن يفعل مايمكنني من العودة الى البيت في اليوم المعيّن ، فقال له جارنا الضابط : ابشر يا أبو جمال ، وعندما إستفسر منه عن اليوم الموعود بالضبط قال له والدي ، انه يوم الاثنين ، فأجابه الضابط قائلا : إنشاء الله جمال يأتيك مجازا يوم الأحد ، وفعلا إلتقت يوم الجمعة وإنتظرت لغاية يوم الأحد ، وكان الدوام في الجيش ينتهي الساعة الثانية بعد الظهر ..
وإنتظرت حتى الساعة الواحدة ولكن دون جدوى ، فذهبت الى جارنا الضابط ، وقلت له : هل نسيت الموعد ؟ . فقال لي لا والله لكن الضباط الذين عندكم في وحدتكم العسكرية ولي معرفة بهم ، البعض منهم مجاز حاليا والبعض ذهبوا في إيفادات رسمية ، أما البقية فلم أعرف منهم أحدا ، فقلت له قبل يومين جاءنا ضابط جديد بنفس رتبتك من أهالي الشرقاط ، ويظهر أنه إبن عرب وذو شخصية عربية قوية ، فقال لي ما إسمه ؟ . قلت له : إسمه ابراهيم ..
فإتّصل به وتعارفا ، وشاءت الصدفة أن يكونا من نفس الدورة والصنف العسكري ، فرحّب ابراهيم أجمل ترحيب ، وقال له جارنا ان إبن عمي ( وكان جرنا دليمي) عندكم وأرجو أن تعطيه إجازة لأني وعدت والده بذلك ، فقال ابراهيم : إبشر إنته ويّاه ، ثم أردف قائلا : إرسله لي فورا ..
فجئت الى وحدتي ودخلت غرفة ابراهيم فرأيته شابا ، أسمرا طويلا ، ينبض حيوية وشجاعة ، وشخصية قوية تنم على أنه إبن عرب وعشائر ، عرفت ذلك من خلال ديثه وإستقباله لي وكان في تلك اللحظة واقفا ، وبالقرب منه يجلس ضابطا آخرا أقل رتبة منه ..
وبعد السلام قلت له : سيدي أنا الذي أرسلني إليك الضابط ....، فقال لي : إبشر سأعطيك ثلاثة أيام ، فقلت له : سيدي إنها لاتكفي لأن بيتي بعيد المسافة ، فقال لي : أين أهلك ؟ فقلت له : في حصيبة ( قضاء القائم) . فقال لي أنت دليمي ؟ . قلت له : نعم سيدي ( لأن ذلك الضابط الدليمي قال انه ابن عمي ) . فقال ابراهيم بلهجة عشائرية : مادام إنت دليمي فهذا الضابط الذي جالس بالقرب مني دليمي وإنته إبن عمه فهو يعطيك إجازة أما أنا ( فشعليّ ) أي ليس لي دخل في الموضوع ..
وعلى الفور أجابه ذلك الضابط الدليمي : سيدي من يكول ( يقول) مايطلع إلهيبي من كرايبك ( أقرباءك ) !! . فقلت لإبراهيم : سيدي إنته لهيبي ؟ . فقال : نعم ، فقلت له آني إبن عمّك لهيبي .
فقال ضاحكا : ها سوّيت نفسك لهيبي حتى تحصل على إجازة ، فقلت له : لا والله ، حتى الإجازة ماريدها ، الحمد لله أنني وجدت ابن عم مثلك ..
فقال من أي لهيب انت !؟..قلت له : من لهيب الدوايخ ويقال لنا في حصيبة البوعذيّة ، وأقاربي بالقرب منكم وأمد العاشج شاهد على ذلك ..فإنتفض والغيرة صعدت في رأسه ، وقال بصوت عالي : ابشر والخاطر أبو شكيّر عين عيونك ، وأعطاني إجازة طويلة ، وقال أنا وعمامي لن نتسى ذلك الموقف لأبو شكيّر عندما جاء إلينا هو وجماعته بالسلاح والسيارات ينتخي عندما حدثت معركة بيننا وبين إحدى العشائر .
دامت المعرفة والصداقة بيننا مايقارب السّنة ، لم أداوم خلالها في وحدتي العسكرية ، يعطيني إجازة وفي نفس اليوم الذي ألتحق به يرجعني الى البيت مجازا مرّة أخرى ..
وفي إحدى المرات ، إلتحقت وذهبت أسلّم عليه وبعد السلام ، قال لي : هل تريد الذهاب الى أهلك اليوم ؟ . فقلت له : الأهل ماينكرهون ، فقال لي : هذا الإسبوع لن تذهب الى أهلك ، فحسبته مازحا ، لكنه كان جدّيا ومصّرا على كلامه ، فقلت له : أمرك .
لكنه سرعان ماقال لي : أنا مجاز يوم غد إنشاء الله ، وأريدك أن تذهب معي الى أهلي لكي تتعرف على عمامك اللهيب ، حقيقة تثاقلت الأمر في البداية لكنه أصرّ على ذلك ، وحاولت الإعتذار عدة مرات فقال لي : جمال هذا أمر عسكري يجب تنفيذه ، قلت له : أمرك سيدي ..
قال لي : ان فلان عسكري أيضا وهو من أهالي مدينة بيجي وعنده سيارة وهو الذي سيوصلنا الى منطقة الجرناف بالشرقاط .
وبعد العشاء يرجع الى أهله في بيجي وأنت ترجع معه مباشرة الى الكراج وتروح لأهلك ، وفي اليوم الثاني سافرنا معا مع ذلك الشخص بسيارته ..
عندما وصلنا الى بيت ابراهيم ، خلعنا ملابسنا العسكرية وأضر لي ملابسا مدنية ، وكان إستقبالا افلا من أهله وإخوته ، كرما وجودا وترحيبا لاينقطع وكأني أعرفهم منذ سنين خلت ، حتى أن لساني ليعجز عن وصف ذلك الموقف لما فيه من حفاوة وترحيب ..
وبعد أن تناولت الطعام معه ذهبنا الى ديوان عمه ( رمه الله) الشيخ محسن المرير ، وإذا به ذلك الشخص الوقور ومجلسه ممتليء برجال اللهيب من أولاد عمومته وأبنائه وأبنائهم ، فعرّفني بهم وسط عبارات الترحيب ، وبدأنا نتسامر بالكصيد وأمور البدو والعشائر ..
الشيخ محسن ذو شخصية قوية ويتكلم بصوت مرتفع وعندما يتكلم لايستطيع أحد من الجالسين أن يتكلم بأي كلمة إحتراما له ، وكان رحمه الله جالسا في الصف الذي أمامي فهو يتكلم بقصة وأردّ عليه بقصة أخرى ..
كان ابراهيم جالسا بالقرب مني على يميني ، وعلى يمينه أبناء عمومته ، وعندما بدأت أجاوب الشيخ محسن بالكصيد كان عمري آنذاك (23 عاما ) فقط ، وبدأ أبناء عم ابراهيم يتكلمون معه بصوت منخفض جدا ، وإنتبهت الى كلامهم ، فأدار ابراهيم وجهه نحوي وقال : لاتخاف من كلامهم ، ( كنت خائفا من أنهم إنتقدوني ) .
قال لي : انهم يقول عنك ( خاف هذا شايب ويصبغ ) ، أي أنه رجل كبير السن ولكنه يصبغ شعره سودا ليبدو أصغر من عمره ، لأن كلامه بأمور العشائر والكصيد لاينطبق مع عمره .
إنتهت ( الجلسة) في مضيف الشيخ محسن في الساعة الثانية عشرة مساءا ، وعندما أراد صاحب السيارة الذي جاء معنا أن يرجع الى أهله في بيجي ، قمت بتجهيز نفسي للعودة معه ومن ثم الذهاب الى أهلي حسب الإتفاق مع ابراهيم ، وأردت النهوض ، لكن ابراهيم سرعان ماقال للجالسين : آني الذي عليّ انني جلبت لكم ابن عمكم الى هنا وتعرفتم عليه وتعرف عليكم وهو الآن يريد ان يذهب حسب الإتفاق بيني وبينه ..
وعلى الفور أجاب الشيخ محسن رحمه الله (( والله يابه ماتروح حتى تنتهي إجازة ابراهيم خليّنا أنشوفك ونتعرّف عليك أكثر )) ..
وبقيت عندهم تى إنتهت إجازة ابراهيم ورجعنا الى المعسكر سوية وفي نفس اللحظة التي دخلنا سويّة الى غرفة ابراهيم أخرج نموذجا وأعطاني إجازة وقال إذهب في نفس الليل الى أهلك .
في جلسة جمعتني مع الأخ والصديق وإبن العم ابراهيم المرير رحمه الله سألته سؤالا ، قلت له : أبو وضاح لماذا أصبحت ضابطا في الجيش ، هل هي رغبة منك ؟..

أجابني : كنت في الثأنوية ( الاعدادية) طالبا مجتهدا وذكيا ، ولكنني رسمت لنفسي هدفا واضحا منذ مراحل دراستي المبكرة ، وهو أن أصبح طيارا . قلت له لماذا طيارا بالذات يا أبا وضاح ؟ . فقال لي رحمه الله : منذ الصغر سمعت بيتا من الكصيد البدوي أظنه لإبن سعود لم أحفظ منه إلاّ مقعا واحدا وهو ( تلغشوهن يبن مسعود جهال ) ، وكان هدفي بعد التخرج أن أدخل كلية القوة الجوية ، وفعلا تحققّت أمنيتي ودخلت الكلية ، ولكن إرادة الله كانت أكبر من إرادة الإنسان ، حيث حدث لي عائقا أثناء التدريب حال دون إكمالي لبقية مشواري في كلية القوة الجوية ، وتم تحويلي الى الكلية العسكرية وأصبحت ضابطا كما ترى ..
( انني وأنا أكتب هذه الذكريات لابد أن أقول كلمتي أمام الله والتاريخ بحق ذلك الرجل الشجاع ، كما رأيته وعايشته عن كثب )..
والله لمست منه كل مايمت الى صفات الضابط الحقيقي ، من شجاعة متناهية وإخلاص وتفاني في أداء الواجب وقوة شخصية عالية ، وهذا أهّله أن يكون محترما جدا من معيّته وكذلك الضبّاط الذين هم أعلى منه رتبة ، وكانت كلمته مسموعة ويقدّره الجميع ، فهو جامع بين العسكرية بحذافيرها والعشائرية وماتفرزه من أخلاق وقيم متممة للشخصية العسكرية ، وعرفت أنه إبن دواوين وذو تربية وسلوك الرجال الأقوياء الأشدّاء وما يتّصفون به من كرم ودماثة خلق ونخوة وغيرة وغيرها من الصفات العربية وخصائلهم وأخلاقهم الرفيعة الحميدة .
وأنا أسرد هذه الذكريات لابد أن أذكر أن أخباره إنقطعت عني لفترة طويلة حتى العام 1991 ، ففي ذلك العام جاءني أحد الأصدقاء وهو ضابط وجار لي وقال : ابراهيم المرير يسلّم عليك . قلت له : من أين تعرفه وأين رأيته ؟ . قال لي: انه آمر كتيبة في منطقة الراشدية قرب بغداد ، وهو بالقرب منّي ويوميا أذهب إليه أشرب القهوة العربية عنده ..
وبدأ جاري يتكلّم عنه بفخر وإعتزاز مثنيا على شجاعته وأخلاقه ، وكان الجالسين معي هم مجموعة من أبناء عشيرة الدليم ، لحظتها أحسست بالفخر والنشوة وعلو الهامة ورفعة الرأس ، حينما بدأ ذلك الضابط المنصف يمتدح صفات أبو وضاح رحمه الله …
وعندما أراد جاري الإلتحاق أرسلت معه لأبو وضاح سلام ورسالة ، متضمّنة كصيدة ( قصيدة ) بدوية ، وطلبت منه فيها أن يزورنا في حصيبة ، وقلت في تلك الكصيدة ..
البارحة نطّيت عالي الرجومي
رجم طويل عذّب القلب مركاه
ونيّت والقلب صابه إثلومي--
وخطيت كاف جثير الشّوك مبداه
كمت أتوجّد ماضين العلومي--
منهم أبو وضاح عالبال ذكراه
ابراهيم يشوك زين أل رسومي--
دونك حروف والهرج تفتهم معناه
يراجب سوبر عالمبلّط تزومي--
إمن العبيدي العصر صار ممشاه
إنحر الرمادي وإبعد الحومي--
وجهك على بغداد حروث إمعشّاه
بالراشدية الجيش تلكاه منظومي--
ملفاك أبو وضاح بالحال تنصاه
سلّم عليه وإوصل الهرج ملزومي--
كرم يهللي بوجه الضيف لوجاه
فنجان على الكيف عنده لزومي ---
يتعب على حك العرب مابه إمخفاه
وصلت إعلومه والراس منّه يزومي--
عفية لبو وضاح يفرحت الينخاه
إبن عمك يفتخر لوجن طايلات العلومي--
بديار ربعه والنعم لوحلّ طرياه
يزبن الخايف لو جاه مضيومي--
والركن ضافي على النجمات محلاه
يامر على الضبّاط كلّ يومي--
آمر كتيبة يربع فعل بيمناه
أهله كبله لوصار يوم اللزومي--
جهم واحد من ضربهم سالت دماه
---
وعودة على بديء من بعض أطراف الذكريات ، فمن الطرائف التي حدثت في ديوان الشيخ محسن المرير رحمه الله ، في بداية تعارفي مع الأخ ابراهيم المرير رحمه الله ، أذكر أنني قلت في حقه قصيدة بدوية وهي أولى نتاجاتي من الشعر النبطي ، حيث كنت مولّعا بهذا الضرب من الشعر منذ حداثة سنّي ..
ففي المجلس ، قلت للشيخ محسن ، عندي قصيدة قلتها على أبو وضاح ، فقال إسمعنا إيّاها ، وعندما قرأت الكصيدة ، قال لإبراهيم أحد أعمامه ( ابراهيم يوليدي والله هالكصيدة أخير من الدندوش أللي شايله ) حيث أن ابراهيم رحمه الله منح نوط شجاعة لشجاعته وإستبساله في أحد المعارك في بداية الحرب ..
ومن الطرائف الأخرى :
كلّما سأل أحدهم ابراهيم عن شخصيتي يقول لهم ان جمال دليمي وأنا سوّيته لهيبي ، فقلت له يا أبا وضاح ان ( الربى) أي التربية والنشأة ، قد غلب الأصل ، أنا سكنت مع الدليم وتعلمت طبعهم وصفاتهم ، فأنا هناك دليمي ، وأنشدت هذين البيتين من الكصيد على مسامع الحاضرين :
موعيب يالكرم نخوتي بالدليمية--
من أب لجد حنّا والمحول جيران
حنّا بينهم خلفت للعذيّه--
تكلّط بأوّل السربة يوم الإكوان
---
( المحول هم الدليم ، والعذيّة هم أبناء فخذ العذيّة إحدى تفرعات عشيرة الدوايخ من اللهيب )
وعندما رجعت من عمامي المرير من ضواحي الشرقاط وبقائي فيها أربعة أيام ، كتبت هذه القصيدة لأخي الأصغر كمال الذي يلقبه والدي ب( علي) – بكسر العين – لما وجدت عند بيت المرير من حفاوة وترحيب وكرم وطيب وشهامة وإعتزاز بصلة الرحم حيث قلت :
شدّيت أنا بالكاف وبدي بكلامي--
من كثر مابالقلب ونّات طويله
يالله يللّي مهدي الدين والإسلامي--
سنّع اليرجاك وإفتح دليله
البارحة سيّرت إلمنازل عمامي--
لكيت إرباعهم ياعلي تشفي الغليله
من المعسكر أخذني فرخ الكطامي--
أبو وضاح كرمن نايف على جيله
بالكرم والطيب يعلي كلهم كرامي--
أدناهم يهللي عالعشا الياجت محيله
يطريك ديوان له مجلس فهامي --
وله النجر بالليل تسمع عويله
أوهني من جاورهم بمنزل خيامي --
يكضي العمر مرتاح بكثرت تعاليله
يراجب وضحة نابيه السنامي--
أوصل الهرج يكمال لشيوخ القبيلة
أبو عبد ساسه مامشّه بلحرامي--
يمنوت الينخاه يطفح صميله
أليازبنته ماتحوج لكل محامي--
يدحم السجن والمحكوم يطلج سبيله
حسين الياصرج بالناب فك اللحام--
يزمر زمير الليث منوت دخيله
أبو حسن حر على الصيد حامي--
يدور الحباري ولايصيد الهزيله
عبد عدوّه حرّم لذيذ المنامي--
ألياثكب دخّانها يذعر جبيله
عبدالله بالكون يتلهم شمامي--
يهللي بوجه الضيف مايقبل الميله
جدهم معرّب الساس كلّه تمامي--
يذكر له التاريخ ما أنطه دخيله
اليوم من عكبهم عضيّت الإبهامي--
عنهم نحاني البعد ماتنفع الحيله
وصلاة ربي عالنبي زين المقامي--
إعداد مانشى البرك والعبد يخيله
-----
وفي تاريخ 3/3/1985 سافر الأخ أبو وضاح في مأمورية الى الأردن وكنت مجازا في حينها وعندما إلتحقت ودخلت المعسكر سألت عن ابو وضاح ولم أجده وعندما جاء وقت الذهاب إليه لأتسامر معه ليلا ، هاجت قريحتي وأنشدت هذه الكصيدة ، وفي آخرها (زبنت) - أي حشمته ونخيته – على أحد أعمامه لأنه يريد أن ينتقل من الوحدة التي أنا فيها ، عساه أن يمنعه من النقل
-------، حيث قلت :
البارحة ياعلي أمسيت بالقلب مضراب---
كمت أتوجّد عز قلبي وريفي
نشدت الدار عيّت إبرد الجواب--
وين راحو أنخاك ليّا عريفي
كال توجه إلعمّان وديار الاجناب--
الله يعوده ياعلي سالم وظريفي
الدار من عكبه ياعلي ماله طياب---
أكفى وخلاّ الدمع له ذريفي
كمت أسللي القلب بالخط وكتاب--
أرجى تعود الليالي ويرتاح كيفي
مشتاك لشوفتك يعز الأحباب--
جني كطيع الديد قلبي رفيعي
شوك القلب يخوك جاميّه بأسباب--
جمّا شرّاب الشنينه بليالي الصيفي
عكبهم جرحي غميج وماله حساب--
عيّت تنام العين جفني طريفي
مع كثر الناس مالكيت أصحاب--
بينهم تلوج العين مضيّع وليفي
أبو وضاح حيد معيّي علأصعاب--
أنا أشهد انه كامل وصيفي
ساسه متين من عز الأنساب--
أهله كبل يريفون الضعيفي
شدّيت بيّ من طويلات الإركاب--
أرسلتها للجرناف مشيها خفيفي
فوكها غلام يبراله جنب ورجاب--
مرواحهم يم عكاب طيب المضيفي
وسلّم عليه وعالرفاكه الكراب--
كلّه من عكبكم يعم عظمي بحيفي
اللي ينضام يزبن جبير البيت وطناب--
وآني زبنتك كبل ماتصبح حالي كسيفي
أبو وضاح يطري النقل يحباب--
اليوم مجوّهكم يلهيب ردّو وليفي
ون راح تكثر علي مشاكيل وصعاب---
عكب الطرب والكيف أكول ياحيفي
ولد المرير ياعلي للضد مخلاب--
عدوّهم مانام بليل حيله رجيفي
والخاتمة صلو معي يهل الأوجاب --
على سيد الشفاعة ماله خليفي
---

وهذه القصيدة الأخرى هي أول المشوار في مجال الشعر النبطي لي وقد قيلت بحق الأخ والصديق وإبن العم المرحوم ابراهيم حسين المرير اللهيبي عام 1984 ، لما وجدت فيه من قيم وأخلاق وشجاعة في سوح الوغى :
يراجب جنّه الطير لو طار---
شبّ الضحى عدّت كود العبيدي
إعبر حديثة وكناطر الثرثار--
وجهك على الشركاط لونه بعيدي
من عكب كطع الفيافي والكفار--
العصر تلفي الجرناف ليّا عضيدي
إسأل على أهل العرجا من المرير--
كرايا ألهيب بانت لها حدودي
ملفاك أبو وضاح تاتيه بالدار--
وأوصل سلامي لبن عمي من راييدي
ابراهيم ياعز الكرابة به حشمة الجار--
ياشوك من دكّت روس الخدودي
فعّالة بالميدان يوم الدّخن ثار--
سيله غشى الوديان مالاكته إسدودي
له نوط الشجاعة بالصدر تذكار--
فعل تبيّن مايحوج له شهودي
ون سايلك من أي العرب تذكر--
كلّه من العذيّه عربين الجدودي
مسجين الأعادي كاسات الإمرار--
يحيف نامت عليهم صرايف إلحودي
-----
وفي نهاية عام 1984 وعندما كنت مع الأخ ابراهيم ذهبت معايشه الى الجبهة لمدة شهر وفي يوم من الأيام ليلا تذكرت الأخ أبو وضاح وقلت هذه الأبيات بتاريخ 16/12/1984 ، حيث قلت :
يراجب إللّي جنها بنت ألعبيّه---
من الجبهة شد عليها والفجر مابان
من نهر كيلان وديرة السعدية--
تكريت تاصلها عكب الأوذان
سامله من الناكصة والرّديّه--
عذروبها الشوك والقلب حزنان
ملفاك من ينتخي باللهيبيه--
ابراهيم يمنوتك لو جنت جوعان
البارحة يخوك عيّنت إبربيّه--
يحيف من دونه حالت جبال أو وديان
أشجيلكم يخوي حالي بأذيّه--
غراة لونك بجنبي اليوم يفلان
-------
أما هذه الكصيدة ( القصيدة) فقيلت بعد أن إنتقل الأخ أبو وضاح الى وحدة عسكرية أخرى ، وبعد أن إتّصل بي هاتفيا من بغداد يسأل عن أموري ، لحظتها تذكّرت ليليه ومسامراتنا وماحلّ بي من بعده ، فقلت الأبيات التالية يوم 10/4/1985:
البارحة من لذيذ النوم فزّيت---
شي طرالي أوجع القلب واذاه

على عشير زايد الدمع هبيّت--
أكفى بسلامه وأبعد الدرب ممشاه
جرح قلبي عبيّ وماجبل تواجيت--
أمسيت جني خلي الدار ويلاه
وين أبو وضاح رفعت الراس والبيت--
يفرحت المضيوم لو راد ينخاه
لو أدري ماكره اليوم أنا تعنيّت--
وأشجيله زايد الضيم من عكب فركاه
من عكبكم ياخوي لاني حي ولاميت--
الله يعود ذيج الليالي بشوك عزاه
كابلت البوم وبديارهم نعيّت--
أزعجت الونّه جما الذيب بعواه
يدار وين أللي يهللي بي لو تعنيّت--
يكضي لازم المعتاز يالهيب لوجاه
اليوم أنا أشوف عكب المعزة تردّيت--
ابراهيم أخوك يجما بالقلب حسراه
وصلاة ربي عإعداد ماطافو البيت--
على النبي المختار طه ألف الصلاه
--------------

( نبأ إستشهاده )
عندما سمعت نبأ إستشهاده رحمه الله من خلال قراءتي للخبر على شريط إحدى القنوات الفضائية لم أصدّق وإنتابني الذعر والهلع والهمّ والغم ، فصحت بأعلى صوتي وصفقت بيدي أسفا وألما وضربت رأسي وبكيت لهذا المصاب الجلل ، وبقيت مهموما أياما وليالي ولم أنم ليلتين متتاليتين ، وقلت حسبي الله ونعم الوكيل ..
رحم الله أبا وضاح وأسكنه فسيح جناته ونسأل الله أن يسدد خطى محسن وإخوانه أشبال ذلك الليث ( والذي خلّف مامات ) كما تقول العرب ..
والرجى بإخوانه الذين بقوا من بعده أمثال أبو ميزر والآخرين ، ويا ألله يظل ديوانهم عامرا ، وكلهم رجالا وأنعم بهم ..
ومما قلته رثاءا على الأخ والصديق المرحوم الشيخ ابراهيم المرير :
-------------
يكول من له على الكول ميدان--
أبدي بذكر الله وأخشى معاصيه
رب كريم وللمخاليج ديّان--
الواحد المعبود كل العباد ترجيه
طلبتك يرافع سماه بغير عمدان---
تفرّج لعبد تايه الفكر ماديه
بجاه النبي المختار سيد الأكوان--
وبجاه من حج البيت واللي حواليه
البارحة مانمت والقلب حزنان--
والجفن عيّ لذيذ النوم ياتيه
أون تالي الليل والفكر حيران --
هاضت جروح القلب أوّل وتاليه
ونّت ذيب عوى بفجوج حوران--
عياله جياع وسمّار الليل دانيه
علم لفاني هدّ عكلي والأبدان--
كالو ابراهيم بالقبر صار تاليه
صفكت يسراي باليمنى وأمسيت سكران--
فاجد الراي والعين للصبح تبجيه
راجب اللي ماله رسن وعنان--
حمرا تموج الكاع والهوز ماتدانيه
الفين عشرة بالتواصيف نيسان--
بيكم جديد الصنع وأرقام مابيه
شبّ الضّحى حوضه من الزيت مليان--
وعليه غلام منوته شوف غاليه
من العبيدي حرّكت ركّابها شفكان--
من جسر حديثة بعجل يطارش عدّيه
وجهك للبيجي الياجنت عجلان--
مكحول خلّه بيمناك يالكرم باريه
إنجان إسلمت من عواثير الزمان--
العصر بالشركاط حر ويت مواطيه
فوّل له من الزيت لوجان خلصان--
وصّله للجرناف يبعد الردي وطاريه
وإنشد على كرايا اللهيب بالطيب عنوان--
ولفهى علمرير بالك تعدّيه
ملفاك أبو ميزر خلايف كحيلان --
سلّم عليه بعالي الصوت نابيه
يتلكّاك بالهلا ومبهر الفنجان--
بيمجلس جديد الفرش والزوالي تغطيّه
وثني على محسن خلفت عبيّان--
وباجي العمام كلن دون عانيه
كولن لهم بالي للغيب علمان--
وجمال يبجي عليه والدمع غاشيه
يحيف راح الشفيّه والجبد علكان--
راح ابو وضاح منوتك لو ردت تنخيه
ويحيف يشيخ ماهاب الطوب والدان--
ويحيف ابراهيم بالدار ينعن غواليه
راعي العلوم الطايله بروغات الأذهان--
تشهد له الجبهة وجيوش تتليه
ماهاب الموت والحرب لهيب ودخّان--
ماهاب المنايا والمدرّع يشهد عليه
منوت كصير شح زاده وجوعان--
وله يتيم بالعيد يفضل عليه
أشهد إنه بالطيب طلج الإيمان--
شيخ إمعرّب والعيب مايدانيه
تبجي على فركاه شيوخ ورعيان --
يحيف ابو وضاح تراب اللّحد غاشيه
لكن الموت حاجم ماينفع النوح يفلان--
وادللي إنكتب للعبد لازم يلاجيه
أدعيله الفردوس بجنان عدنان--
ويا ألله رحمتك عن النار تنجيه
وصلاة ربي عداد سيل إبوديان --
وإعداد ذراّت الرمل وتراب واديه
وعلى محمد سيد كل الأديان--
شفيعنا يوم الحشر عند باريه
------
( أبيات من العتابه في رثاء الشيخ ابراهيم المرير رحمه الله للشاعر جمال اللهيبي ..إبن إعذيّه ...)
***********************
راح الجان قايد للسرب ودروع
وعليه صاحن مفاريع ودروع
يدار وين ذبّاح الشّكر ودروع
ابراهيم عضيدي بلكوات الإجناب
---------
أسيل الجرناف عن ركنها ونجوم
وبفعلها بالجبهه جما الكمر ونجوم
يهللي بوجه ضيوف ونجم
عليه بليل يامر بالعشا
-------------
رحل شيخ المرير وغاب
ويجنّه ليث الجزيرة وغاب
ملعون الغدر خويّه وغاب
السعد عنّه راح وهفا
--------------------
شجعان وصعاب المعارك تشهد إلهم
كرام وجثير من الخلك تشهادلهم
جم حيد بالقادسية إستشهد لهم
ولا أنطو كسيرة للإجناب

---------

عساه بجنات الخلد والحور
وياكيه من عذاب النار والحر
النذل صيده بالخفيّان والحر
ماكره عاليات الإرتاب

--------------
مرّه أشد جروح كلبي مرة أدهن
علم أبو وضاح لكبودي مردهن
دزّيت خطوط عدكم مردهن
عمامي ياسباع وبليكم حميّه
-------------
رحل ريف الكصير وجار
بديوانه قديم دلال ووجار
يحيف الدهر خان أو جار
بالطيبين عربين الأنساب
---------------
رحل ذيب السرايا وكتايب
ويعلّه يغفر ذنوبع كتايب
إشمادز إلعمامي حروف وكتايب
مايبري جرحي عكب الأحباب
------------
يصعب عليّ الليل لوجن
وسهام الغدر بالدلاّل لاجن
عسى ليالي فراكم لاجن
ولا هالو عليك إمن التراب
--------------
راح الفعلها بالحرب وضاح
ويجفّه لميع البرك لو ضاح
يحيف الفجيدة اليوم أبو وضاح
زيزوم الحرايب بنجور العدى

---------------
دوم ألهج بطاريّه وسماه
وروحه إصعدت للباري وسماه
فراكك يبو وضاح بالقلب وسماه
يلجم دليلي صبح ومسيّه
--------------
راح الشيخ وعليّه بدالهم
ريح الهيل والعنبر بدلهم
نرتجى محسن يصير بدلهم
فرخ الذيب شطير الأنياب
-----------------
بطارش مكتوبي بعجل عرجه
لليفزعون بلزم وجباه عرجه
راح الجان ينتخي بلهيب عرجه
ابراهيم عضيدي بلكوات الإجناب
---------------
******************************
وردّت الشاعرة بنت العذيّه على كصيدة الشاعرة بنت المرير في رثاء المرحوم الشيخ ابراهيم المرير، حيث تقول :
بنت المرير بالهلا وترحاب حيّاج--
وإنتي الأصيلة وكولج تراه صايب
الله يعينج على كبر بلواج--
روح الشفيّة وذخرج يوم الصعايب
ردّيت بكاف باريت بيه معناج--
عساه يلوك إلخاطرج يبنت النجايب
خوّانه يخيّه ترى اليوم دنياج--
ياما خذت من متعبين الرجايب
خانة ببو وضاح سترج وغلاج--
يحيف يشيخ عنّه اليوم غايب
الدمع لو ينفع بجيت والله ويّاج--
لكن همّي على الجبد والقلب لايب
إصبري وأظن الصبر من سجاياج--
يكفي سوات الحكومة والكرايب
مرحوم يشيخ خانت به دنياج --
وإدعيله الفردوس ويّه النبي والصحايب
وإكبلي سلام بنت عمج وشرواج--
ولكل المرير ذرانا يوم اللهايب
( الشاعرة بنت العذيّه 21/1/2011 )