لتشكيل المجلس التأسيسي وهو أول مجلس ينتخب من أفراد الشعب العراقي،

وذلك للتصديق على المعاهدة العراقية- البريطانية الأولى التي نصت بنودها على خضوع العراق للانتداب البريطاني المفروض عليه الى جانب برمجة الهيمنة على الموارد والحياة العامة.

عارضت هذا المشروع قطاعات الشعب كافة، ففي الموصل أصدر رؤساء الكنيسة الكلدانية إعلاناً بمعارضة الانتخابات، كذلك صدرت عدة مضابط من علماء الدين في بغداد والعتبات المقدسة تطالب بتأجيل الانتخابات.
وعندما طرح هذا المشروع لدراسته وإقراره من مجلس الوزراء عارضه ياسين الهاشمي الذي كان وزيراً للأشغال وكتب في محضر الاجتماع تحت توقيعه عبارة (مخالف) أي معارض للمشروع.

الا ان نقمة دار الاعتماد البريطاني في بغداد انصبت على العلماء الشيعة من دون غيرهم، فبقي الهاشمي يتمتع بمنصبه ولم تمسه يد السلطة ولم يحاسب علماء الدين من السنة والمسيحيين، واتخذت الحكومة قراراً خطيراً عد سابقة، وذلك بنفي رجال الدين الشيعة من الكاظمية وكربلاء والنجف الى إيران، كما أبعد السيد محسن أبو طبيخ الى سوريا لكونه الوحيد من زعماء الفرات الأوسط الذي عارض بإصرار إجراء الانتخابات.


لقد كان الأمر مفروضاً على الملك فيصل وليس له الا الخضوع للرغبات البريطانية لتفادي الدخول معهم في أزمات سياسية قد تقود الى نتائج ليست في مصلحة العراق.
وعند انتهاء الانتخابات واستتباب الأمن، وبعد ان عادت الحياة الى طبيعتها رفض العلماء المنفيون العودة الى العراق فاستشار فيصل العلامة السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني، وكان يومها رئيساً لمجلس التمييز الشرعي الجعفري (ألغي فيما بعد) بشأن موضوع عودة العلماء وأسلوب معالجته.


بين السيد هبة الدين للملك أهمية هؤلاء العلماء وموقعهم في المجتمع الشيعي واقترح ضرورة إيفاد شخصية ذات صفة رسمية يحمل في جعبته كتباً خطية الى كل واحد منهم لدعوتهم للعودة الى ديارهم وممارستهم مهامهم الدينية.
استجاب فيصل للمقترح وأوفد السيد باقر السيد أحمد الحسيني (سركشك) التشريفاتي المقرب منه في البلاط وهو من أهالي الكاظمية وحمله رسائله الشخصية اليهم وخوله بصورة مطلقة التصرف وفق ما يرى من قول أو فعل نيابة عن جلالته من أجل عودتهم.
والدافع الحقيقي الذي حمل فيصل للإقدام على هذه المبادرة الشجاعة، بالرغم من معارضة الإنكليز والكثير من ساسة بغداد وعلمائها من السنة، هو أن البلاد كانت تمر بأزمة اقتصادية حادة وبعودة هؤلاء العلماء الشيعة يعود الى العراق تدفق الأموال والمصادر الخيرية الطائلة مع مقدم الزوار بأعداد كبيرة من إيران والهند وسوريا ولبنان ما سيعالج العجز الهائل في عائدات الاقتصاد المحلي بما يرد من تدفق الزوار.


يفسر الكثيرون من الكتاب محاولات فيصل للتقرب الى الطائفة الشيعية كمحاولة لكسب رضا الأغلبية السكانية في العراق، الا انه لو اخذ بنظر الاعتبار النظام الملكي الدستوري الذي كان قائماً، فهو لم يكن بحاجة الى أصوات الناخبين الشيعة للبقاء على عرشه، ذلك الى جانب التجاهل التام لأحقية الأغلبية السكانية هذه من الحكومات المتعاقبة في ممارسة صوتها الانتخابي (الحر) في عموم الانتخابات التي جرت في القطر.
فقد أثار فيصل الكثير من انتقادات أعيان السنة بسبب تفقده لرجال الدين الشيعة كباراً وصغاراً ومساعدته لهم في قضاء حاجاتهم والاستماع الى شكاويهم، ذلك الى جانب مشاركته لهم في احتفالات المناسبات الشيعية وأبرزها حضوره احتفالات عيد الغدير كل عام التي كانت تقام في الحرم الكاظمي الشريف.
الا ان تلبيته لدعوة وجهت اليه من إدارة المدرسة الجعفرية الواقعة في محلة صبابيغ الآل من بغداد وغالبية سكانها من الشيعة، أثارت عاصفة من احتجاج رجال الدين السنة عام 1921 دفعت بهم غلواؤهم لتقديم (احتجاج) الى المندوب السامي البريطاني واتهامهم له (بالتشيع) وقيامه بتبذير أموال (العامة) بتبرعه للمدرسة ببعض الدراهم، اتضح لهم فيما بعد انها كانت من مصروفاته الخاصة.


وقد ارتفعت شعبية الملك بعمله لدى غالبية أفراد الشعب بعد عودة العلماء الى مراكزهم الدينية، الا انه أوقف (مجاملاته) هذه بعد حين ولم يعد يبدي أي تحرك تجاه الاعتراف بحقوق الشيعة في المشاركة المنصفة في حكم العراق، وقد يفسر سكوته هذا من تأثير دار الاعتماد البريطاني عليه.
ولعل الانتقال الى موضوع آخر غير المجلس التأسيسي يمكننا من التعرف على التفاصيل برغم بساطتها فإنها قد تعطينا بعض المؤشرات للعديد من الأحداث المقبلة، وتحديداً الانتخابات النيابية وأسلوب توزيع المقاعد الذي تتقرر خلاله أسماء الأشخاص الحاصلين على هذه المقاعد قبل الإعلان عنها.


فالنموذج الأول لدينا هو أول مجلس تم التصويت عليه، حيث تم على حد قول الحكومة، انتخاب خمسة وتسعين نائباً عن المناطق الانتخابية كافة في ألوية (محافظات) العراق الأربعة عشر في ذلك الوقت، وجرى توزيع المقاعد على النحو الآتي:
لواء بغداد، أحد عشر نائباً:
ناجي السويدي، ياسين الهاشمي، أحمد الشيخ داوود، نوري السعيد، عبد الرزاق منير، الحاج أحمد الشويش، الحاج ناجي رضا (صديق المس بيل ورئيس بلدية الكرادة الشرقية)، عبد الجبار الخياط، يوسف غنيمة (مسيحي)، ومناحيم صالح دانيال، وإلياهو حسقيل العاني (هذان الأخيران عن يهود بغداد).
لواء الحلة، ستة نواب:
عبد الرزاق شريف، الشيخ عمران السعدون، رؤوف الجادرجي، مزاحم الباجه جي (كلاهما من بغداد وليس من أهالي الحلة)، سلمان البراك، الشيخ عداي الجريان.
لواء كربلاء، نائب واحد:
الشيخ عمران العلوان، امتنع أهالي اللواء عن تقديم مرشحيهم تضامناً مع أهالي الكاظمية والنجف، وذلك احتجاجاً على نفي العلماء وتأييداً لمقاطعتها.
لواء البصرة، أحد عشر عضواً:
عبد المحسن السعدون (من أهالي الناصرية وليس البصرة)، عبد اللطيف المنديل، حامد النقيب، ياسين العامر، الشيخ محمد أمين عالي باش أعيان، صالح عبد الواحد، عبود الملاك، محمد زكي المحامي، يوسف عبد الواحد، روبين سوميخ (يهودي)، والدكتور سلمان غزالة (مسيحي).
لواء أربيل، ثمانية نواب:
إبراهيم الحيدري، صبيح نشأت، داوود الحيدري، ملا محمد، عبد الله مخلص، محمد شريف، الحاج بير داوود، حسين ملا.
لواء كركوك، أربعة نواب:
صالح نفطجي زاده، الشيخ حبيب طالباني، جميل بابان دارا (الأول تركماني والآخران من الأكراد)، إسحاق فرايم (يهودي).
لواء السليمانية، سبعة نواب:
سعيد زاده، الشيخ قادر، عثمان زاده، عزت باشا، مرزا فرج، فتاح زاده محمد، توفيق زاده أحمد.
لواء ديالى، ثلاثة نواب:
جعفر العسكري (من أهالي بغداد)، محمود النقيب، الشيخ حبيب الخيزران.
لواء الدليم، خمسة نواب:
الشيخ علي السليمان، الشيخ فهد الهذال، فخري الجميل، عبد الرحمن الحيدري، فؤاد الدفتري (هؤلاء الثلاثة من بغداد).
لواء الديوانية، تسعة نواب:
السيد علوان الياسري، الشيخ عبد الواحد الحاج سكر، الحاج عبد المحسن شلاش (من أهالي النجف)، الشيخ عبد السادة آل حسين، الشيخ شعلان أبو الجون، الشيخ مظهر الحاج صكب، الشيخ رايح العطية، عبد الرزاق الرويشدي.
لواء الموصل، أربعة عشر نائباً:
آصف آل قاسم، الشيخ أحمد الفخري، السيد عبد الغني النقيب، السيد أمين المفتي، الدكتور داوود الجلبي، علي جودت الأيوبي، محمد آل شمدين آغا، حمدي جلميران، عجيل الياور، الحاج رشيد، الدكتور حنا زبوني (مسيحي)، الدكتور يحيى سميكة، فتح الله سرسم (مسيحي)...
لواء المنتفك، تسعة نواب:
السيد عبد المهدي، الشيخ موحان الخير الله، الشيخ سالم الخيون، الشيخ صكبان العلي، الشيخ منشد الحبيب، الشيخ محمد حسن حيدر، الشيخ زامل المناع، عبد اللطيف جلبي المعروف، عبد الكريم السبتي و(الشيخ كاطع آل بطي ومحمد حسن الموسى) وهذان العضوان التحقا بالمجلس نتيجة لاستقالة عدد من أعضائه.
لواء العمار، ثمانية نواب:
الشيخ محمد العريبي، الشيخ شبيب المزبان، الشيخ فالح الصيهود، الشيخ غضبان البنيان، الشيخ شواي الفهد، سلمان الحميد، إسماعيل المحمود، الشيخ صالح باش أعيان (آخر ثلاثة هم من أهالي البصرة).
لواء الكوت، سبعة نواب:
عبد المجيد الشاوي (أهالي بغداد)، صالح شكاره، الحاج حسن شبوط، عبد الله الياسين، أمجد العمري (أهالي الموصل)، أكباشي السعد، عبد الكريم السبتي.


وقبل افتتاح المجلس اغتيل عبد الكريم السبتي نائب الكوت واستقال على أثر ذلك احتجاجاً كل من السيد عبد المهدي والشيخ موحان الخير الله والشيخ محمد حسن حيدر وحامد النقيب ويوسف عبد الأحد ممثلا البصرة.
وأثناء اجتماع المجلس التأسيسي توفى عبد الجبار الخياط في 23/ نيسان 1924 وهو نائب عن بغداد، كما استقال في 10/ أيار 1924 كل من مناحيم دانيال وبعده إلياهو حسقيل العاني في 15/ أيار 1924 وهما نابا بغداد عن الطائفة اليهودية، واستقال عبد علي فاخر نائب البصرة في 10/أيار 1924، كما استقال أمين المفتي في 27/أيار 1924 والدكتور حنا زبوني في 19/أيار 1924 وهما نابا الموصل.
وأعيدت الانتخابات في بغداد فتم انتقاء كل من أنطوان شماس وروبين بطاط ويوسف إلياس، كما جرت الانتخابات في البصرة واختير الحاج محمد النجفي والخوري يوسف الخياط، وأجريت الانتخابات التكميلية في لواء المنتفك فتم (بالتزكية) انتخاب قريش علي والشيخ كاطع البطي ومحمد حسن الموسى، وميرزا محمد.. وما ان انتهت الانتخابات التكميلية وإذا بنائب كركوك جميل بابان يقدم استقالته وفي الموصل توفى النائب محمد آل شمدين آغا على أثر احتراق الطائرة التي كانت تقله الى بغداد، فلم تجر الانتخابات التكميلية لملء مقعديهما لأن الشاغر حصل في أواخر أيام اجتماع المجلس.
ومما تقدم يتضح بعد ان انتهت الاستقالات والاغتيالات والوفيات والانتخابات الشكلية (التكميلية) ان توزيع مقاعد المجلس قد تم على النحو الآتي:
(55) مقعداً للسنة.
(35) مقعداً للشيعة.
(4) مقاعد لليهود.
(4) مقاعد للمسيحيين.
وقد يكون حديث نائب الكرادة الشرقية في بغداد مع صديقته سكرتيرة المندوب السامي المس بيل التي كانت تجيد العربية، فيه الكثير من المعاني.
سأل الحاج ناجي المس بيل عن سبب فوزه بمقعد في المجلس من دون سابق علم له بالأمر الى ان أخبره مختار الكرادة بفوزه، فقالت له:
- (انته.. نحن نعتبرك صديقنا.. زين هادا..).
فسألها الحاج ناجي عن سبب غياب أعيان الشيعة في بغداد من المجلس، فقالت:
- (أهل الكاظمية كلهم ما يفتهم وأهل بغداد عنودي وأهل النجف وأهل كربلاء كلهم (فارسي) ما يفتهمون عربي غير بس الشيخ عمرا العلوان..).
وقالت المس بيل:
- (أهل الدليم يتكلمون عربي ما يفهم منها أهل بغداد شي فاخترنا لهم فؤاد الدفتري حتى يعلمهم تركي وهم يعلموه عربي.. حجي.. بعد ماكو سؤال..).
"عن كتاب بغداد "




في الصورة الملك فيصل الأول ملك العراق رحمه الله وخلفه بعض اعوانه ويبدو بينهم نوري سعيد باشا والعسكري ولورنس في سنة 1923 قررت حكومة رئيس الوزراء عبد المحسن السعدون إجراء الانتخابات العامة